الكاتب خالد عزيز الجاف برلين
ان الفلسفة هى محاولة فهم طبيعة العالم ، وماوراء العالم ومكاننا ومصيرنا فيه. ودراسة قوانين التغير والتطور ومشكلة فهم القوى الفاعلة فى العمليات التى نحن جزءا منها . وهى الام التى صدرت عنها سائر العلوم حيث انها قديمة قدم العقل الانسانى. ومنهم من يعتقد انها مجرد تمارين ذهنية لبعض الناس المتعلمين . ولكن الفلسفة سجلت طوال تاريخها الطويل خلاصة الفكر الانسانى وعصارة الجهود العقلية والتى تتابعت على مسرح الاحداث والفكر الفلسفى.
إن أي فلسفة تعتمد على البرهان المنطقي الذي هو عمادها , وعلى العقل الذي هو جوهر خلقه الله مرتبطا فى الكائن العاقل , وهو الإنسان , وغايته فى الوصول إلى الإدراك والفهم لقوانين الوجود وتسخيرها لغايتين , وهما الأيمان بالخالق المطلق وعبادته , ومعرفة إرادته ومشيئته , وثم تسخيرها لمصلحة الكائن العاقل . وكان واجب الفلاسفة دائما أغناء فهمنا هذا وتعميم نتائجه وهذا ما حاول عمله كبار الفلاسفة القدماء فى العصور الماضية ولقد كان مدى عظمتهم دائما يقاس بمدى نجاحهم فى التعبير فى تعميماتهم الفلسفية.لقد ظهرت الفلسفة قديما فى اليونان مع أفلاطون وأرسطو وكان من اهم مباحثها وميادينها هو)مبحث المنطق(.وهو من المباحث الرئيسة للفلسفة وجوهر الميتافيزيقا وهناك مشكلات أساسية يضطلع بدراستها )علم المنطق( حين يثبت من بطلان التفكير او زيفه وحين يتحقق من صحة القول وصوبه ولذلك قيل إن المنطق هو الأداة التي تميز الصواب عن الخطأ للمنطق . إذن وظيفته ضرورية فى عمليات التفكير حيث يحكم بين الصواب والخطأ وهو يتصل بدراسة مشكلة التفكير الانسانى حين نسأل كيف نفكر ؟ وكيف نحكم على الأشياء تلك هى المسائل الجوهرية التى يدور حولها المنطق ويضطلع بالرد عليها والانشغال بها. ولهذا السبب كان المنطق هو )المقدمة الضرورية( لكل فلسفة وهو جوهر الميتافيزيقيا )علم ماوراء الطبيعة( اى انها بحث من مباحث الفلسفة يبحث فيما وراء الوجود حيث يقول ارسطو ان الفلسفة هو )علم الفكر( ولما كان المنطق هو علم الفكر فأنه يبدأ اول مايبدأ بدراسة طبيعة الفكر وقوانينه وبديهياته واصوله. ومن مباحث المنطق الرئيسية دراسة مشكلة )التصورات والاحكام( فالتصورات التى ترتبط بالواقع مثل تصورنا مثلا لاشياء مادية وواقعية او تصورات اخرى لاترتبط بالواقع المحسوس مثل تصورنا للحرية والانسانية والمسؤلية كلها تصورات مجردة عن الواقع.
اما الاحكام فهى قضايا نصدرها للحكم على الواقع اما كليا او جزئيا ومن المسائل الجوهرية فى دراسة المنطق مسألة )التعريف والتصنيف( وتعريف الشىء هو البحث عن ماهية الشىء والماهية هى مجموع الخصائص والصفات التى يتصف بها هذا الشىء. وان ماهية الشىء تبقى هى هى لاتتغير. اما التصنيف وهو مبدأ عقلى خالص ولايتصل بالواقع ، وله احتمالين ولاثالث لهما ، وهو مبدا)الثالث المرفوع( ، تلك هى نظرة سريعة تشير الى بعض مشكلات ومباحث المنطق . إن المنطق هو جوهر الفلسفة ومقدمتها الضرورية ، اذ إن المنطق هو هيكل كل فلسفة . ومن مباحث الفلسفة ايضا )مبحث المعرفة( ، وهو اهم اجزاء الفلسفة وارحب ابوابها ومعاقلها. ونظرية المعرفة يعالج فيها الفيلسوف مسألة مصادر المعرفة الانسانية ، حين نسأل كيف نعرف؟ وكيف ندرك؟ وماهى مصادر الادراك واصول المعرفة؟ وهل ترجع المعرفة الى العقل ام الى التجربة والحس؟ . ومدركاتنا هل ترجع الى اصول واقعية ام مثالية؟ . واذا ماتتبعنا مسألة المعرفة عند الفلاسفة ، وجدناها تبحث وتدرس من حيث طبيعتها اهى حسية ام عقلية؟ . وهنا ستختلف المذاهب الفلسفية فى شرح هذا الموضوع ، فذهب العقليون الى البحث عن الصور الفطرية الكامنة فى العقل ، وذهب التجريبيون الى إن التجربة هى الاصل الوحيد لمبادىء العقل الاولية.
فالفيلسوف اليونانى ابيقور يؤمن بالحس ، وقد تأثر بالفيلسوف دقويطس وافكاره المادية ، ويقول إن العقل نفسه يعتمد فى الحكم على الاشياء ، ويؤكد إن المعرفة الحسية صائبة ، وان توهم الانسان هو الذى يصور له إن الحواس كاذبة او غير دقيقة فى الحكم على الاشياء .
اما الفيلسوف كانت فقد عالج طرق التفكير وتطور العقل الانسانى عبر التاريخ فى مسألة )مناهج التفكير الانسانى( ، ولقد اعلن كانت إن العقل الانسانى يمر بمراحل او بحالات او بأطوار بدأت اولا بالمرحلة اللاهوتية او الدينية ، ونشأت عنها الفلسفة اللاهوتية الدينية ، ثم انتقلت الى حالة الميتافيزيقية ، اى ماوراء الطبيعة ، وهى الفلسفة المثالية ، ثم انتهى العقل البشرى فى نهاية المطاف الى الحالة او النزعة الوضعية او العلمية ، وهى الفلسفة الوضعية او العلمية. واصبح المنهج الوضعى هو منهج التفكير العلمى. وقد جاء كانت بقانون الحالات الثلاث ، حيث حاول فيه إن يشرع لمناهج الفكر قانونا عاما ، يفسر تقدم الذكاء الانسانى ، ويعبر عن تطور اشكال الفلسفات والمناهج المتتابعة خلال التاريخ. وقد ذهب كانت بمقتضى هذا القانون إن منطق الانسان ، بمعنى فكره او عقله انما يتدرج او يتطور مع تدرج المجتمع وتطوره ، من حالة غيبية لاهوتية الى حالة ميتافيزيقية انتقالية ، ومن ثم يصل العقل الانسانى فى النهاية الى مرحلة الروح الوضعى. ولذلك كانت الفلسفة الميتافيزيقية فى زعم كانت ماهى الا مرحلة تتسم بالضرورة والحتم ، ذ تحتمها ضرورة الانتقال من المنطق اللاهوتى الغيبى كى يصل الفكر بفضلها الى وضعية العلم ، لتى اطلق عليها )الروح الوضعى( ، ولكن النزعة الوضعية فى ذاتها انما تحمل فى طياتها هدفا ميتافيزيقيا خالصا لم يخضعها لاختبار دقيق . ويمكن تقسيم الفلسفة الى مدرستين.
1-المدرسة المثالية. اعتبر جميع الفلاسفة إن مهمة الفلسفة هى الكشف عن طبيعة )المطلق( اى الحقيقة النهائية والتى هى وحدة لاتتجزاء ولاتعتمد فى وجودها على اى شىء وان هذا المطلق كان بمعنى من المعانى روحيا. إن )المطلق الروحى( وحده كان الموجود الحقيقى بينما كان العالم )غير حقيقى( مجرد مظهر. إن الاشياء المادية لم يكن لها وجود مستقل عن الروح المطلق وان جميع تجاربنا ونشاطاتنا التى تبدو معها اننا نحيا حياة مستقلة فى عالم مادى لم تكن الا جزءا صغيرا من الوجود الكلى الروح المطلق.
2-المدرسة الوضعية. الا إن بعض فلاسفة الوضعية الحديثة امثال مور ورسل ومدرستهما رفضوا هذه الفكرة المثالية وواصلوا البحث لاعادة عرضها بشكل اخر فى رفضهم مفهوم )المطلق الروحى( حيث قالوا بأن الفلسفة المثالية هى فلسفة لااساس لها من الواقع بالمرة لقد رفضوا كالمل فكرة إن )الحقيقة النهائية( بل فقط وجود اشياء مادية متعددة. والوضعيون اعتبروا إن المثالية المطلقة لم تكن الا تعابير ايمانية مضطربة ولكن نقدهم مع ذلك كان مثاليا ايضا ذاتيا وشكلا. لقد لعبت الفلسفة الوضعية دورا هاما فى الكفاح الايديولوجى للفلسفة المثالية ضد الفلسف المادية فى العصور الحديثة وخلفت ورائها مجموع الجدل الفلسفى بين المادية والمثالية. إن نظم المثالية المطلقة التى كانت شائعة فى الجزء الاخير من القرن التاسع عشر كانت مرتبطة بالفلسفة والنظام الهيغلى. حقا إن الفلاسفة الوضعين قاموا بتطوير وتبنى الافكار المثالية القديمة التى نشأت فى القرن السابع عشر واعادوا صياغة هذه الافكار واستعملوها بطرق جديدة واعطوها مظهرا جديدا واصبحوا يجادلون فى الافكار التى تلقوها عن اسلافهم القدماء ويكيفونها ويطورونها باستمرار والفلسفة الوضعية المعاصرة هى تطور للفلسفة المثالية الميتافزيقية القديمة وقد ساهمت حقا فى تقدم الفكر الانسانى وقدمت افكارا يجب اعتبارها دائما كجزء من تراث الفكر المثالى لانها تقدم لنا اربعة عناصر
العنصر الاول. حيث ساهمت مساهمة قوية فى علم المنطق الشكلى الارسطوطاليسى وبالتالى فى دراسة اسس الرياضيات وذلك لان التطورات الحديثة للرياضيات مرتبطة كل الارتباط بتطور تكتيك المنطق الرمزى
العنصر الثانى. حيث قدمت خدمة عظيمة لتطور الفلسفة وذلك بجلب الاهتمام لدراسة اللغة ومهمتها فى اداء المعانى والاوجه اللغوية من العلم فاصلحت الفلسفة )تحليل اللغة( كأسلوب للنقد والايضاح
العنصر الثالث. حيث ساهمت مع الفلسفة البراغماتية )العملية( فى التأكيد على الصلة بين النظرية والتطبيق. واصبحت الفلسفة الوضعية الوسيلة والاداة للتفكير فى ارتباطها بين النظرية والتطبيق وفى تطوير تكنيك منطقى لوضوح الرأى حيث ضمنت لنا امكانية اختبار اقوالنا فى التجربة والتطبيق كما ضمنت لنا الاشارة الى الاشياء التى يمكن التثبت فى وجودها.
العنصر الرابع . حيث كافحت من اجل وضوح التفكير والنظرة العلمية للمشاكل وذلك بتأكيدها على الحاجة للتعاريف المحددة بالاصطلاحات المستندة الى التجربة والحاجة لاختبار الافكار اختبارا تجريبيا ..
بينما النظرية الماركسية فأنها تريد من الفلسفة إن تصبح ملك الجماهير وسلاحها النظرى فى كفاحها لانهاء الاوضاع التى تضطهدها وايجاد الطريق لتحررها ويقول انجلز )إن الفكرة العظيمة الرئيسية بان العالم يجب إن لايفهم كمجموعة معقدة من الاشياء الجاهزة بل كمركب من العمليات التطورية تمر فيها الاشياء التى يبدو عليها انها ثابتة مع انعكاساتها الذهنية فى رؤوسنا اى المفاهيم فى تغيرات لاانقطاع لها من الظهور والضمور وحيث يتأكد فيها بالرغم من جميع الصدف الظاهرة والمراجعات الموقتة تطور تقدمى فى التحليل الاخير . إن هذه الفكرة العظيمة الاساسية قد استطاعت التفاعل فى الوعى الاعتيادى خاصة منذ زمن هيجل بدرجة من الشمول والعمق بحيث انها بمجموعها لم تنقض اطلاقا الا نادرا( ففى نظر انجلز إن )الفكرة العظيمة الرئيسية ( فى التغير والتطور من الادنى إلى الاعلى تمثل الذروة التى بلغتها الفلسفة البرجوازية اى الفلسفة المثالية الميتافيزيقية . فالفلسفة فى نظر ماركس وانجلز هى اكتشاف القوانين الدايلكتية لعمليات التغير والتطور القائمة فى العالم المادى الحقيقى فى الطبيعة والمجتمع .
لقد حاولت الفلسفة الماركسية المادية إن تحدث ثورة حقيقية فى الفلسفة الا انها فشلت فشلا ذريعا فى ذلك فلم تستطع إن تترك وراءها الفلسفة الكلاسيكية المثالية لتبدا فلسفة جديدة قائمة على المادة المحسوسة . لقد حاولت الفلسفة المادية إن تنفذ اكثر الانجازات العظيمة للفلسفة المثالية لكبار الفلاسفة فى القرن الثامن عشر فلاسفة الفرنسيين من جهة وفلسفة هيجل من جهة اخرى . فالفلسفة المادية الفرنسية تعتبر بان العالم وكل شىء فيه انما هو عملية تطورية مستمرة من التغير والتطور وان هذه العملية تجرى بموجب قوانين يمكن اكتشافها من قبل العلم وصاغتها بكل دقة علمية .
اما هيجل فقد ساهم فى الفلسفة بمفهومه عن الدايلكتيك ويقول )بأن كل شىء يحيط بنا يمكن إن ينظر اليه كلحظة فى مجموع الدايلكتيك . ونحن نفهم بان كل شىء محدود انما هو قابل للتغير وموقت بل إن يكون ثابتا ونهائيا وهذا بالضبط مانعنية بذلك الدايلكتيك المحدود حيث برغم المحدود بأعتباره يتضمن ضمنا ماهو مختلف عنه إلى التحول فجأة إلى نقيضه بعد إن يضيق بكيانه الخاص المباشر او الطبيعى( وهيجل لم يعتبر إن )لحظة الديالكتيك ( هى قوانين الديالكتيك فى تغير وتطور العالم المادى فقط كما تعتبره الماركسية وتركز عليه بل ركز وتصور إن الحركة الدايلكتية كخصيصة من خصائص الفكر . انه جعل الفكر كشىء مطلق (الله) شىء موجود بعيدا ومستقلا عن العالم المادى الا انه يخلق العالم المادى ويحقق ذاته فيه ويقول هيجل إن كل شىء محدود مناقضا لنفسه بصورة جذرية ويتحول فجأة لنقيضه فالمفهوم نفسه كان مناقضا لنفسه إن الشىء الذي حقق ذلك المفهوم لم يكن بالامكان إن يبقى ثابتا بل كان يجب إن يتحول إلى شىء اخر . واعلن هيجل إن (المرحلة التأملية) من الفكر كانت اعلى جميع المراحل وان (الحقيقة التأملية) كانت اعلى جميع الحقائق ثم اضاف (بأن الحقيقة التأملية تعنى إلى حد كبير جدا نفس مايسمى عادة فى بعض المبادىء والخبر الدينية بالتصوف) وعليه فان مفهوم هيجل الفلسفى يعبر عن (الفكرة المطلقة) التى تمثل الفكر الكونى والخالق للعالم الحقيقى فى المكان والزمان الذي يتجاوز اى عقل محدود . اما انجلز فيقول فى رده على هيجل (حسب هيجل إن الدايلكتيك هو التطور الذاتى للمفهوم .
إن الفكرة المطلقة لاتوجد فقط اين ؟ لااحد يدرى منذ الازل بل انها تمثل ايضا الروح الحية لجميع العالم الموجود . وعليه فحسب هيجل إن الحركة الدايلكتية الظاهرة فى الطبيعة والتاريخ اى الارتباطات السببية للحركة التقدمية من الادنى إلى الاعلى والتى تؤكد نفسها خلال جميع الحركات المتعرجة والانتكاسات المؤقتة ماهى الا مجرد نسخة بائسة من الحركة الذاتية للفكرة القائمة منذ الازل لا احد يعلم اين ولكن على كل حال باستقلال تام عن كل عقل بشرى مفكر ، ثم يستمر قائلا ( لقد اعدنا - اى هو وماركس- ادراك المفاهيم فى رؤوسنا بصورة مادية كصور لاشياء حقيقية بدل النظر للاشياء الحقيقية كصور لهذه المرحلة او تلك من تطور الفكرة المطلقة ) وهذا المفهوم الفلسفى لهيجل لم يعترف به انجلز واعتبره غير صالح للاستعمال وقال ( لقد اخذ الجانب الثورى من الفلسفة الهيجلية وبنفس الوقت حرر الجانب المذكور من الاقمطة المثالية التى منعت تطوره الثابت على ايدى هيجل ) ( يجب فقط ترك (الحقيقة المطلقة ) التى لايمكن بلوغها بسلوك هذا السبيل او من قبل اى فرد واحد وبدلا من ذلك متابعة الحقائق النسبية الممكن بلوغها بطريق العلوم الوضعية وتجميع وتلخيص نتائجها بطريق الفكر الدايلكتيكى ) فالفلسفة الماركسية واسلوبها الدايلكتيكى ونقدها لفلسفة هيجل لايمكن اعتبارها ابدا اكتشافا عالمى الاهمية فى الفلسفة بل هى حاولت إن تفسر عمليات العالم المادى بطريقة مادية فقط وليس بشكل علمى ولم يقدم لنا صياغة كاملة ونهائية للمفهوم الدايلكتيكى عن العالم لان اى اكتشاف حقيقى لايمكن إن يكون حقيقة مطلقة ونهائية ولايمكن إن يمثل نقطة الانطلاق لتطوير جديد للفهم العلمى ولم يهيأ الحقيقة النهائية والكاملة حول قوانين حركة الطبيعة والتاريخ .
الفلسفة تبحث في شؤون الحكم والتصور
وبعد إن تطرقنا فى شرح الفلسفة المادية الماركسية نعود ونذكر إن من اهم المسائل الاخرى التى تبحثها الفلسفة هى مشكلة ( الحكم والتصور ) هى مشكلة عريقة فى الفكر الميتافيزيقى فقد سيطرت على كل الفلسفات الكبرى ونستطيع القول انه ليست هناك مسألة احتلت مكانا بارزا فى تاريخ الفلسفة مثل مااحتلته نظرية التصور فقد تسأل الفلاسفة من اين جاءتنا التصورات او المعانى التى تمتاز بالكلية والعموم ولاتخص فردا بالذات؟ فذهب افلاطون إلى انها لابد إن تكون مثلا سبق وان شاهدناها وذهب ارسطو إلى انها صور منتزعة بالتجريد من العالم الواقعى ومن ثم جاءت الاجناس والانواع ومنهم من يرى إن التصورات لاوجود لها ومنهم من يرى إن التصورات انما هو فطرى فى الذهن اما التجريبيون فيقولون إن لاشىء فطرى فى الذهن وان المعانى إن هى الا احساسات جاءت من التجربة. اما عن فكرة الاحكام فمن المعروف فى التفكير الفلسفى منذ القدم إن العقل لايستطيع إن يفكر ويتقدم الا بربط التصورات فى احكام اما الفيلسوف كانت فيعارضهم جميعا بقوله)إن العلم يقوم على الاحكام ولايمكن إن يقوم على مجرد التداعى الحسى ولابد إن تكون هذه الاحكام لها اصول وقوانين سابقة فى الذهن بمقتضاها ترتبط اطراف الاحكام ارتباطا كليا وضروريا مما يصون قيمة المعرفة العلمية ويرفعها عن مرتبة الحس إلى مرتبة المعرفة العلمية الوثيقة( وهكذا نرى كما هو الحال فى كل مذهب جديد من مذاهب الفكر الفلسفى إن يهدم المذاهب السابقة عليه وان يشيد لنفسه موقفا خاصا.. لقد ظل الفلاسفة سجناء افكارهم بعينها لانهم ربطوا عقولهم بتاريخ الفلسفة واخذوا يفكرون فى قوالب الفكر الفلسفى من خلال هذا التاريخ الميتافيزيقى ولقد اخذ مانهايمMannheim على الفلاسفة انهم حين ينظرون فى المعرفة فانما يرتدون إلى مافى اذهانهم من مصطلحات الفلسفة فيرجعون إلى مواقف تاريخية سابقة وقفها الفلاسفة من نظرية المعرفة. ومن هنا يصبح من المهم تصحيح وجهات النظر التقليدية فى المعرفة الذين نظروا إلى العقل الانسانى على انه )عقل وحيد منعزل( او تصورات التجريبين الذين نظروا إلى الاحساسات والمدركات على انها ادوات المعرفة الوحيدة ومن هنا تجىء ضرورة التحليل الفلسفى الميتافيزيقى الذي نحلل به المعرفة وننقدها لنتبين العناصر الاساسية التى يجىء بها من عنده لينظم التجربة ويرتب ماتقع عليه حواسه ومايلقاه الإنسان فى مجتمعه.
ونحن نعلم إن التجربة وحدها ليست هى العلم الوحيد للانسان حقا إن الإنسان يتعلم منها الا انه ليس تمثالا لاينبض بالحياة والحس والعقل وردود الفعل حيال مايتلقاه من التجربة فمن خلال استعراضنا لمختلف مساهمات الفلسفة وجدنا مذهبا ماركسيا يذهب إلى إن التفسير التاريخى والاساسى الاقتصادى هما المصدر الوحيد لمقولات المعرفة وهما المرجع الاول فى اكتشاف الحقائق.الا إن دوركهايم فند مزاعم الاتجاه الماركسى وانكر الاساس المادى للمجتمعات وذهب إلى إن اصول المعرفة لاتصدر عن عقل الطبقة وانما تتميز التصورات العامة بصدورها عن ابنية العقل الجمعى( لقد انقسم الفكر الفلسفى إلى اتجاهات مختلفة ومدارس عديدة ومايعنينا هنا هو تاكيد ذلك التعارض الفلسفى القائم بين مختلف المدارس الفلسفية تلك التى ينحو كل منها نحوا خاصا فى تفسير المعرفة فى ضوء الفكر الطبقى او الاجتماعى او التاريخى. ولكننا نقول فى الرد على تلك الاتجاهات المتعارضة إن حرية الفكر لاينبغى إن تخضع لسلطان خارجى سواء اكان سلطان المجتمع او طغيان الطبقة حيث إن روح الطبقة تعمل على جمود الفكر حين ينغلق الفكر الطبقى على ذاته ويحاط بسياج بعيد كل البعد عن روح الفكر الخلاق بمعنى إن روح الطبقة او عقل الجماعة كلاهما قيد لايتفق وطبيعة الفكر الحر كلاهما حجاب لايوصلنا إلى الحقيقة ففى تلك القيود الاجتماعية والحجب المادية قضاء مبرم على كل مايتمتع به الفكر من اصالة وابداع ولايمكن إن تنبثق الحقيقة عن تلك المجتمعات المغلقة حيث انها من اعداء الفكر والحرية وهى الشاهد الوحيد على قيام الفكر ولايمكن إن نتصور المعرفة فى صدورها عن منطق التاريخ اذ انها لاتصدر الا عن ذات الإنسان تلك الذات التى تتميز بالوعى والاصالة كما إن المعرفة لاتوجد خارج الإنسان اذ إن المعرفة فى ذاتها مهما بلغت من الموضوعية والعلمية هى مشروطة بوجود الذات العارفة.
وان الحقيقة فى ذاتها تاريخية كانت ام اجتماعية هى فى مسيس الحاجة إلى تلك الذات المفكرة التى تنشئها وتفسرها وتميط اللثام عنها. وقد قال اوغسطين بهذا الصدد) لاتحاول الخروج من نفسك بل عد اليها فان الحقيقة تكمن فى اعماقك ايها الإنسان( ومن المفاهيم الفلسفية المثالية للمعرفة فى اسسها ومداها وحدودها نرى إن اكثر الاراء الفلسفية تعتبرها )حقائق خالدة( )مبادىء اولى( )افكار داخلية( من حدس وبديهه الا إن مختلف الاراء الفلسفية تذهب إلى إن جميع المعرفة مبنية على المدركات الشخصية وقد كان الجدل طويلا وواسعا بين الفلاسفة لشرح ارائهم المختلفة والمتعارضة حول المعرفة إن كلا الوجهين يشتركان فى كونهما يعالجان المعرفة معالجة سطحية تجريدية بعيدا عن عمليات التطور للمعرفة فى المجتمع البشرى انهما لايبحثان عن كيفية اكتساب المعرفة بالفعل من قبل البشرية وقد اعتبرت المعرفة كشىء ناشىء عن نوع من التأمل الفردى وهى مثالية من حيث الاساس فى اعتبارها الروح سابقة للطبيعة وان المعرفة ونقطة انطلاقها ينشأ داخل الدماغ سواء اكان هذا الشىء محسات فردية او افكار عامة والفكر المثالى يرى إن الاحساسات تأتى فى البداية وان الافكار العامة بعض الشىء ماهى الا نسخ لهذه الاحساسات بينما يرى الاخرون بأن الاحساسات نفسها ليست الا مواد خام للمعرفة يرتبها العقل بمساعدة اجهزته الداخلية الخاصة.
صحيح إن كثيرا من الماديين ايدوا نظرة المعرفة المثالية واوضحوا إن الاحساسات التى يعتبرونها نقطة الانطلاق للمعرفة انما تنشأ فى الدماغ بعقل الكائنات المادية الخارجية فى الاجهزة الحسية وقد تبنى بعض كبار الماديين الفرنسيين فى القرن الثامن عشر وجهه نظر مثالية فى نظرية المعرفة فان الفلسفة المثالية تنتهى إلى إن العالم انما ينكشف للمعرفة الحقيقية كعالم روحى من حيث الجوهر وان وراء جميع الظواهر المادية اسبابا روحية بينما الفلسفة المادية تسخر من ذلك باعتباره تأملات ضبابية وتنتهى إلى نتيجة مثالية ايضا إلى عدم وجود اى شىء لايحوم الشك حول معرفته ماعدا الاحساسات فى ادمغتنا.وهكذا فأن المادين الوضعيين الحالين فيرفضون بصراحة هذه الفلسفة الكلاسيكية القديمة فى اعطائها صورة عن الكون والانسان وانهم يفصلونها عن العلم وعن نشأة الحياة انهم يدعون بان كل مايمكن إن نعلمه عن العالم والكون والمجتمع البشرى انما ينعكس فى نظريات العلوم النظرية والاجتماعية وان الفلسفة ليس لها صلة بأى منها وانه لايمكن إن يكون هناك اليوم اى محل لاية فلسفة تقف فوق العلوم إن المطلوب من الفلسفة هو بالاحرى إن تستلخص مبادئها ونتائجها من العلوم فقط وان تكون نفسها تعميما للعلوم المذكورة ويجب إن تصبح فى نفس الوقت سلاحا بيد العلوم ويتغلغل فى العلوم ويقود ستراتيجية البحث العلمى وصياغة النظريات العلمية. يقول بوانكارة وهو من اعلام الرياضيين(نحن الرياضيين انما نعمل للفيزياء والفلسفة ومعنى ذلك إن الفلسفة يجب إن تبنى على اخر ماتوصل اليه العلم الحديث لا على مفتريات واكاذيب لاتدعمهم المكتشفات الحديثة وماثبت من احوال الامم الماضية) ولايمكن إن يكون هناك اليوم اى محل لاية فلسفة تقف فوق العلوم إن المطلوب من الفاسفة هو بالاحرى إن تستلخص مبادئها ونتائجها من العلوم فقط وان تكون نفسها تعميما للعلوم المذكورة ويجب إن تصبح فى نفس الوقت سلاحا بيد العلوم ويتغلغل فى العلوم ويقود ستراتيجية البحث العلمى وصياغة النظريات العلمية.ويقول بنيامين فارنغتن فى كتابه العلم الاغريقى من طاليس إلى ارسطو (كانت تأملات فلاسفة الاغريق الطبيعين مرتبطة تمام الارتباط بتكتيك عصرهم فأفكار تحولات الجوهر الواحد)الالهه( كانت بصورة واضحة تحت تأثير التكنيك الشائع حينذاك وفى الفلسفة الحديثة يبدو تأثير العلم واضحا فى المفاهيم الدينية ولكن العلماء انفسهم الذين كانوا يظنون انهم حرروا انفسهم من القيود التى تشدهم إلى الفلسفة المثالية لايزالون مقيدين تماما بالنظم الفلسفية العقلية والدينية التى صاغها لهم الفلاسفة القدماء. فالفلسفة الحالية لاتقتصر على تفسير الاكتشافات العلمية وارتباطها بالدين بل على تجاوز حدود العلوم الطبيعية وصولا إلى الأيمان بالطبيعة الاخيرة للحقيقة التى يعالجها العلم وطبيعة الحقيقة الروحية الخارجة عن متناول الاساليب العلمية مثلا طبيعة الروح البشرية والمصادر الروحية. فالفلسفة لم تعد لتبحث وتفسر اكتشافات العلم بل انها تستند إلى انجازات العلم واظهار كيفية ادراك الحقائق فى ارتباطاتها الالهية وليس باية ارتباطات مادية. وهكذا فقد تقدمت الفلسفة دائما عبر الكفاح بين الاتجاهات المادية والمثالية الا انه حتى اكثر الفلسفات المادية كان يحمل طابعا ميتافيزيقا ولم يتحرر اطلاقا من عناصر المثالية ونقصد بالمثالية تلك النظرة الفلسفية التى تعتبر الروح سابقة للطبيعة. قال الفيلسوف الانجليزى فرانس بيكون (إن قليلا من الفلسفة يقرب الإنسان من الالحاد . اما التعمق فى الفلسفة فيرده إلى الدين) .
لقد حرر علم الطبيعة نفسه من النظم الفلسفية المادية وارتبط اكثر بالفلسفة المثالية العقلية وكان التفكير العلمى دائما تحت تأثير الافكار الفلسفية الغيبية التى وجدت دائما تعبيرا عن النظريات التى يحاول العلماء بواسطتها اختصار وتفسير نتائجهم بينما كانت الفلسفة المادية الديالكتيكية تحاول كل جهدها لنقد الافكار المثالية والميتافيزيقية التى تتغلغل فى العلوم من خلال صياغة مجموعة من القوانين على اساس الارتباطات الملحوظة فى الواقع التجريبية. لقد ابتعد الاسلام عن الفلسفة.لان الفلسفة قائمة على مباحث علم الكلام واسلوب الجدل وعلى اصول المنطق لاختلاط الحق فيها با لباطل. وكل ماتوصل اليه الفلاسفة والباحثين هى حقائق نسبية وليست حقائق مطلقة . وكان ينظر إلى الفلسفة نظرة ازدراء وبعضهم فلسفة الثرثرة فقد قال الفيلسوف فيتاغورس عن الكون (انه منفرد كامل كروى لان الكرة اكمل الاشياء وانه حى عاقل لان ماهو حى وعاقل خير مما ليس بحى وعاقل) فأن القران ينكر مثل هذا النوع من الاستنتاج الخيالى الذي يقدمه الفلاسفة القدماء . وامثال هذه الافكار الفلسفية القديمة الزائفة تسربت إلى الشرق وادت إلى تبلبل العقائد وادخال كثير من الخرافات فى الدين الاسلامى وان فلاسفة الاسلام اخذوا يفسرون الاسلام على ضوء هذه الخرفات ويؤولون القران وفق نظريات افلاطون وارسطو. ذلك لان بعض علماء القرون الوسطى وهم تلامذة الفلسفة اليونانية ماكانوا يعتمدون على عقولهم وتجاربهم ومشاهداتهم وانما كان الدليل رأى الفيلسوف فكل ماوافق رأى الفيلسوف فذاك علم وذاك هو الحق وماخالف فليس بعلم . فلم ينظروا إلى تأويل مايعنيه ويقوله افلاطون وارسطو ودون إن ينظروا فى حجتهم او انه منطقى تؤيده التجارب والمشاهدات والمحاكمات الصحيحة ام لا. فأن الفلسفة لاتستطيع الاجابة على عالم الغيب والغيبيات وماوراء الطبيعة لان عالم الغيب ليس فى مجال مدركاتنا الحسية حتى نستطيع الوصول اليها من خلال خبرتنا المباشرة فأن تأويل تلك الغيبيات يبقى مستغلقا على افكار الفلاسفة لان حقائق ماوراء الطبيعية المتيافيزيقية لاتخضع لادراكنا الحسى وبناء على ذلك فأن انباء الغيب لايصل الينا الا عن طريق الوحى والانبياء . فقد اثبت الباحثون يقينا قصور فلسفة اللغة وعجزها عن تناول مباحث ماوراء الطبيعة . وقد لقيت الفلسفة القديمة وتلاعبها اللفظى وسرابها الخادع حتفها بعد ضياعها فى متاهات الانطولوجيا (علم الوجود)
لقد عرف العرب فى عصر الجاهلية الفلسفة ، وبلغت اوجها بخطب قس بن ساعدة التى ورد فيها ( ايها الناس اسمعوا وعوا واذا وعيتم فأنتفعوا ، إن من عاش مات ، ومن مات فات ، ول ماهو ات ليل داج وسماء ذات ابراج ) وهى خطبة اشتملت على التنبؤ والنذر والبلاغة والتصوف الروحى . بدأت الافكار الفاسفية فى التكوين منذ عصر الدولة الاموية عهد بنى امية فقد نبغ فى دمشق كاتبان مسيحيان لجأ اليها هربا من اضطهاد اخوانهم فى الدين وهما يوحنا الدمشقى وثيودور ابو قارة . وكان لجدلهما الفلسفى اكبر الاثر فى نمو الاتجاهات الفلسفية بين المسلمين ثم انتشرت وتوسعت المفاهيم الفلسفية فى عصر الدولة العباسية وخاصة فى عصر المأمون بعد إن اطلع فلاسفة العرب فى ذلك العصر على كتب ارسطو وافلاطون الفلسفية وتداخلت افكارهم الاسلامية بالفلسفات الوثنية والادليات العقلية بالمقدمات المنطقية واختلط الحق بالباطل . الا إن الفيلسوف لايفهمه الا فيلسوف مثله , فكلام الفيلسوف للفلاسفة . ومن هنا حرم كتب الفلاسفة على العامة , او حرم كتب الفلاسفة إن تذكر فى كتب يطلع عليها العامة . وابن رشد (1126-1198) لايميز بين العامة والخاصة , وانما يقول إن الفلسفة فى كتب الفلسفة من يستطيع إن يقرأ كتب الفلسفة فليقرأها , لكنه كان يعيب على الغزالى انه نشر الافكار الفلسفية فى كتب غير فلسفية . وكان يعتقد إن الفلسفة هى ارقى مراتب المعرفة الدينية , وان الفلسفة يجب إن تبقى ملكا حصريا للنخبة وان لاتنتشر بين الناس لعجزهم عن استيعابها , ولم تلق اجتهادات ابن رشد اهتماما اسلاميا . وقد توصل ابن رشد بعد مناقشة طويلة للاشكاليات الفكرية فى كتبه فى نقاط نجملها فى الاتى :
اولا: إن الفرق الاسلامية المتنوعة لم تحرز الحقيقة المطلقة ، اذن لايمكن الزام الفيلسوف بأتباع اى من هذه الفرق .
ثانيا : إن الله يأمر بالبحث عن الحقيقة بالعلم والفيلسوف وحده يفهم الدين بالحقيقة .
ثالثا : إن الفلسفة هى اعلى غايات طبيعة الإنسان ، وهى درجة اقل من يستطيع بلوغها من الناس .
وتكاد هذه النقاط الثلاث تكون اهم مرتكزات الرشدية التى كثر خصومها وانصارها لما خلفته من وعى فكرى ، كما لايجب إن لاننسى إن كل قارىء لمولفات ابن رشد يلمس بأنه رجل دين ، فقد كتب فى احد مؤلفاته إن (اى شخص يدرس علم التشريح سوف يزداد ولاؤه وايمانه بقدرة الله ووحدانيته) كما ظهرت اللمسة الدينية وولعه بالقران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة فى اعماله الفلسفية اذ كان يستشهد بها فى دعم وجهات نظره فى قضايا متعددة ، وقد بدأت بواكير المشاريع الفكرية الرشدية فى ازاحة الحجب بين الشريعة والحكمة ، ويقول ابن رشد عن هذا التوجه المنهجى الفكرى الذي تبناه ( يقوم دين الفيلسوف الخاص على دراسة ماهو كائن لان ارفع عبادة يمكن إن يعبد الله بها تقوم على معرفة ماصنع ، لما يؤدى اليه هذا من معرفتنا اياه على حقيقتها كلها ، وهذا هو اصلح الاعمال عند الله وذلك مع كون اخس االاعمل هو إن ينسب إلى الضلال والزهو والباطل من يرد إلى هذه العبادة التى هى اكرم العبادات ومن يعبده بهذا الدين الذي هو خير الاديان ) .