اللغز والأحجية الشعبية في التصور العام تناظران الحكاية الشعبية، فكلا النوعين يهدف إلى الوصول إلى المعرفة والفهم عن طريق السؤال والجواب.. فالأسطورة عبارة عن جواب على سؤال متضمن فيها وغير محدد ؛ أما اللغز والأحجية الشعبية فيتخذان شكل السؤال الذي يستلزم الإجابة عنه.
والألغاز الشعبية، أو بالأحرى الأحاجي الشعبية، " كلمات مسجوعة أو منظومة.. في قالب أسئلة تختبر بها الناس ذكاء بعضهم بعضا".
وتتطلب الأحجية الشعبية سائلا ومسُولا، وعلى المسؤول أن يكون على يقين من أن سائله يعرف الحل الصحيح ، ولا يكون الحل إلا بعد أن يبذل المسؤول جهدا جهيدا ، "فإذا عثر على الحل الصحيح فإنه يشعر بحالة اقتناع تام لأنه أصبح في درجة ممتحنه من المعرفة".
والألغاز الشعبية شكل أدبي قديم يضاهي في انتشاره المثل الشعبي والحكاية الشعبية، "فهو عمل شعبي أصيل شأنه شأن الأنواع الأدبية الشعبية الأخرى".
ونشأة هذا الفن التعبيري الأدبي الشعبي لم تولد عن إحساس بفقدان الصلة بين الإنسان وعالمه المحيط به، وإنما ينشأ نتيجة تعمق الإنسان وإدراكه لحقائق الأشياء.
وعلى الرغم من ذلك فإن نشأة هذا الفن الأدبي الشعبي تبدو شاحبة إلى حد ما ، ومن الاستحالة بمكان معرفة قائلي هذه الأحاجي أو بعضها ، أو معرفة الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا الجنس الأدبي ، "ولعل من أعرق الألغاز قدما ، لغز صفينكس الذي فكّه أوديب ، كما نطقت بذلك الأساطير الإغريقية".
ويتميز اللغز الشعبي ـ أو ما نحبذ تسميته بالأحجية الشعبية ـ بمميزات خاصة، أولها كونه استعارة تعتمد على عدم التوقع ، فهو يتجه إلى اللغز بقدر ما يثيره، ثم أنه "يشير إلى غموض الحياة، وهو في الوقت نفسه يمثل إدراك العقل البكر".
وتحمل الأحجية الشعبية ميزة أساسية تتمثل في لغتها وألفاظها ، والكنايات والاستعارات والمجازات التي تنطوي عليها، "وهذه الظاهرة ليست عادية في هذا النوع من الأدب الشعبي ؛ إذ أن العقل البشري لا يصبح قادرا في مألوف العادة على إدراك الترابط ، ومعنى العلاقات الدلالية والصوتية المختلفة بين اللفظ ومحتواه .. وقد ذهب "موريس بلومفيلد" إلى القول بأن اللغز نشأ منذ قديم الزمان حين كان العقل البشري يمرن نفسه على التلاؤم مع الكون الذي يحيط به".
إن لغة الأحجية الشعبية الغريبة لا تهدف إلى ذكر الأشياء بمسمياتها المعهودة وإنما تهدف إلى مغزاها العميق ؛ فلغة الأحجية الشعبية تستخدم بوصفها طلاسم تحتوي على معنى خفي .
وتتضمن الأحجية الشعبية مضمونا وقيمة حقيقيين ، يكمنان أساسا في العلاقة الموجودة بين السائل والمتلقي ، ويتمثلان في الجو النفسي العميق الذي يخلفانه في إطار هذا الشكل الأدبي الشعبي . فمضمون وحقيقة هذا اللون ، كما قال بانزر Panzer ، "لا تكمن فيما تتضمنه الإجابة، وإنما في عملية التخمين (التحزير) نفسها".
1-الخرافـة :
ويطلق عليها بالفرنسية "Fable"، وبالإنجليزية "Fable"، وبالأسبانية "Fabola". وهي "قصة قصيرة خيالية، تكتب بالشعر أكثر مما تكتب بالنثر، وربما كانت ميثولوجية غايتها توضيح فكرة مجردة، لبلوغ هدف أخلاقي أو عدمه، حيث يمكن تشخيص الحيوانات والأشياء".
وترتبط الحكاية الخرافية الشعبية بالحيوانات أو العالم المحسوس، الذي ينتشر حولنا رغم وجود التقاء كبير بين هذا النوع من الحكايات الشعبية وبين الأساطير أو ما يعرف بـ"حكايات الجان"، ولذلك فإن " كل عمل إبداعي توجد فيه حيوانات.. تقوم مقام الشخصيات الإنسانية، يمكن أن نطلق عليه مصطلح خرافة".
وقد وهبت الحكاية الشعبية الخرافية الحيوانات ملكة الكلام والحيلة والتفكير، مثلما وهبت الأشكال القصصية الأخرى الإنسان ملكات خارقة، وليس "سبب ذلك أن الناس كانوا يعتقدون ـ حين أنشأوا هذه النماذج القصصيةـ أن الحيوان يشبه الإنسان في صفاته… بل كان مرد ذلك ـ حسب ما نرى ـ إلى اللجوء إلى استخدام الحيلة القصصية في صياغة تلك الحكايات".
إن اصطلاح "الخرافة" أو الحكاية الشعبية الخرافية لم يكن فهمه متساويا عند الكثيرين، فالبعض يطلق عليه تسمية "حكاية الحيوان"، والبعض الآخر يحصرها في مجال الأسطورة، ويرى بأنها "لا تصور علاقة الإنسان بعالمنا الخارجي فحسب، وإنما تصور كذلك صراعه مع عالمه الداخلي".
وليس أدل على هذا الصراع النفسي الذي يعيشه الإنسان من الشكل القصصي التعبيري الأسطوري. وعالم الحكاية الشعبية الخرافية يقف وجها لوجه أمام عالمنا الواقعي ويرفضه، لأنه يحل محله عالما أكثر جمالا وبهاء وسحرا، فهو يحقق للإنسان الشعبي حياة العدالة والانسجام التي يحلم بها.
وتعتمد الحكاية الشعبية الخرافية على الحيوانات المشخصة بشتى فصائلها، ومنها الغول والسعلاة، وقد أخذت هذه "الوحوش الخيالية صفات حيوانية من ناحية الشكل، وصفات شريرة من ناحية المضمون، وأحيطت بالأسرار والهواجس".
وقد جرت العادة في الحكاية الشعبية الخرافية أن يكون البطل فيها واحدا لا غير شأنها شأن الأسطورة، وليس هناك أي أثر لمجتمع البطل أو حتى بيئته، وينعدم الزمن هو الآخر، وتصير حركة البطل أشبه بحركة البالون في الهواء. وتتجه الخرافة الشعبية إلى اتجاهين، وتظهر في الاتجاه الأول الحيوانات الإعتقادية المتوحشة غير المحسوسة، كالغول والسعلاة والرئي .
أما الاتجاه الآخر فتظهر فيه حيوانات واقعية، كالدب والقنفذ والذئب.. وغيرها، ولعل "تطلّع الإنسان وشغفه بعالم الحيوان، وميله الغريزي، هو الذي جعله يتجه إلى التدقيق في الخصائص الحيوانية، التي تثير اهتمامه، وتستفز خياله".
إن الخرافة الشعبية في مميزاتها تبتعد عن الزمان والمكان، كما أن شخوصها لا تعيش في عالمنا الواقعي، وإنما تعدّ انعكاسا لمثل الإنسان الفطرية. وتتألف الخرافة الشعبية من مجموعة من الحوادث الجزئية التي تشكل في النهاية حدثا كليا، وهي كذلك لا تعرف ولا تهتم سوى بالنهايات: "غني وفقير، شاب ومسن، شرير وخير. وشخوص الحكاية الخرافية تمتاز بالتسامي، فهي خفيفة الحركة والوزن، وتتحرك في خفة من أجل الوصول إلى الهدف. أما البطل فهو انعزالي، منعزل عن الزمان والمكان، منعزل عن الأهل والأقارب.