بسم الله الرحمن الرحيم
تطلق كلمة الزوايا إصطلاحا في الثقافة البيظانية على مجموع القبائل المهتمة بالعلم و نشره ، فهم حملة العلم و الدين بالبلاد قاطبة ، و قال فيهم الشيخ بابا بن الشيخ سيديا الإبيري " أنهم سموا بهذا الإسم لملازمتهم الزاوية ، و هي موضع العبادة " و أورد محمد محمود بن محمد سالم المدلشي تعريفا تاريخيا لهم إذ قال " أنه على عهد المرابطين كانت هناك فئة من المجتمع تنقطع للبعادة و العلم و أنهم كانوا يلزمون الزاوية ، و أن منهم أجداد قبائل الزوايا في بلاد القبلة و على رأسهم جد قبيلة مدلش " .
و لا تتميز هذه القبائل بانتساب عرقي محدد ، فقد يكون منها من هو عربي صميم كقبيلة أهل " بارك الله " و " القلاقمة " ، و قد يكون منها من هو ذو أصول صنهاجية كقبيلة "تاكونانت " و "تجكانت " و قد يكون من بينها من هو ذو أصول إدريسية شريفة كقبيلتنا و قبيلة " الشرفاء أبناء أبي السباع " .
و المرجع في تحديد مفهوم الزوايا هو القيمة الإجتماعية التي تقوم بها ، فكل قبيلة أو مجموعة بشرية مهما صغرت أو كبرت تعنى بالعلم و الدين تعلما و تعليما و تتسم بالتدين هي فئة زاوية .
و من بين ما تتسم به هاته القبائل الكرم و حسن الضيافة و أداء الوظائف الإقتصادية الضرورية لمجتمع البيظان كحفر الآبار و صيانتها و رعاية التجارة و الطب التقليدي و اشتهروا بعدائهم الشديد لفئة " إكاون " التي كانوا يروا فيها عامل هدم للبنية الإجتماعية البيظانية ، كما كانوا يرأسون ركب الحج البيظاني ، و من بين سماتهم تفقه المرأة ، فالمرأة بقبائل الزوايا تختلف عن نظيرتها في القبائل الأخرى ، فهي على قدر مهم من العلم و المعرفة ، لدرجة أن معظم العلماء الكبار البيظانيين حفظوا القرآن و المتون الفقهية على يد أمهاتهم ، لعل أبرزهم الشيخ " سيدي أحمد البكاي ولد سيدي محمد الكنتي " .
و قد حدد المختار ولد حامد الدعائم التي تقوم عليها القبيلة الزاوية بـــ " مسجد و إمامه ، و محظرة ، و بئر ، و طبيب ".
و قد أفرد لهم محمد ولد سعيد اليدالي كتابه الشهير" شيم الزوايا " ، و قد وصفهم اختصارا " أما شيم الزوايا فهي حقيقة التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و العض عليها بالنواجد ، فهذا ما تعاقدوا عليه ، فقد أسسوا سيرتهم و أحكموها بالشرع و تمسكوا به حتى صارت لهم طبعا و ديدنا "
و الفرد من قبائل الزوايا يضرب به المثل في برودة الأعصاب و الصبر و الأناة ، فقد اعتمدوا في حروبهم على الجدل و المناظرة ، و حرموا حمل السلاح في وجه المسلم مهما كانت الظروف ، متبعين المثل السائد ببلاد القبلة " من حمل السلاح ترك الفلاح " لكنهم كانوا أول من وقف في وجه الإستعمار الفرنسي ببلاد موريتانيا من خلال قبائل الزوايا . و مما يذم فيهم حسب أحمد الأمين الشنقيطي في كتابه الوسيط في تراجم أدباء شنقيط " أنهم قليلي الإختلاط بالغير ، و أنهم عكس القبائل الأخرى إذا ما وقعت بينهم مخصمة تبقى آثارها بادية فيتوارثها الأبناء عن الآباء " .
و مما تجدر الإشارة إليه أنه في الوقت الذي توجد فيه قبائل زوايا عديدة ببلاد القبلة (الحوضين الشرقي و الغربي . بلاد الترارزة . بلاد البراكنة . تكانت . أدرار ) أو ما يمكن أن نسميه اليوم الجزء الجنوبي من موريتانيا لا نجد في بلاد الساقية الحمراء و بلاد تكنة إلا قبائل زاوية قليلة منها :
أولاد بن السبع / الرقيبات / العروسيين / توبالت / أولاد بوعيطة / تركز .
و قد خاضت قبائل الزوايا حروبا طاحنة فيما بينها لعل أهمها على الإطلاق :
الأغلال و تجاكنت / إدو علي و الأغلال / أولاد بن السبع و أولاد إبيري / تجكانت و كنتة / تاكونانت و إدغ زينب / كنتة و أولاد بن السبع / أهل بارك الله و أهل بوحبيني / أولاد بن السبع و الرقيبات
و لعل هاته الحروب يعود أساسها إلى التزاحم بين هاته القبائل في المرعى و مصادر المياه و طرق التجارة و اسباب أخرى ، لكن هاته الحروب و غيرها لم تسئ إلى مفهوم الزاوي إطلاقا ، إذ ظل مفهوم الزاوي يدل على التدين و الورع و الزهد ، و أهم شيء قدمته قبائل الزوايا لمجتمع البيظان هو إنعاش الحياة العلمية و الثقافية بالبلاد ، فأنجبت لنا قبائل الزوايا علماء أثبتوا مع الوقت أنهم بلغوا من الرسوخ في العلم ما أهلهم لأن يدرسوا و يفتوا في جامع الأزهر و الزيتونة و القرويين ، بل لجأ السلطان العثماني في أواسط القرن ال 19 إلى إستخدام مستشار في المجال الثقافي من أصل بيظاني و هو " سيدي محمد محمود بن التلاميذ التركزي " الذي أوفده في سفارة مشهورة إلى إيطاليا و إسبانبا و فرنسا .
لقد قدمت قبائل الزوايا خدمة جليلة لثقافة البيظان من خلال إنشائها لتعليم محظري أسهم في الرفع من المستوى الثقافي لأبناء المنطقة ، و أسهمت كذلك في تغلغل الإسلام إلى قلب القارة السمراء .
و قد اعترف المستشرقون أن الثقافة البدوية المترحلة الوحيدة في العالم التي تركت موروثا ضخما مكتوبا هي ثقافة البيظان ، و التي كانت أهم دعامة فيها هي قبائل الزوايا.