لايمكن أن نتمثل صورة الفيلسوف خارج خصوصيات الفلسفة. ومع ذلك نؤكد أن الفيلسوف إنسان دائب التساؤل، نظرا لوجود عوامل عدة ومختلفة.
فالفيلسوف إنسان يشعر دائما بفقر إلى المزيد من المعرفة. ولا غرابة في ذلك فأول من أطلق على نفسه فيلسوف كان يقصد هذا بالضبط : حيث رفض فيتاغورس أن يدعى حكيما لأن الحكمة تعني امتلاك الحقيقة، فارتأى أن التعبير الأنسب والأصدق هو أن يقال عنه إنه فيلسوف (محب الحكمة)، أي مجرد إنسان يتوق إلى المعرفة وليس مالكا لها.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم سلوك سقراط من وجهين: فإحساسه بدونية معرفته جعله يرحل إلى رجال الدولة والشعراء ..، باحثا عن الحقيقة، لكن الوجه الثاني للصورة يتجلى في أن سقراط ذهب إليهم بشك قبلي ليحطم عندهم ذلك الاعتقاد الدوغمائي بامتلاك الحقيقة، وهذا فعلا ما توصل إليه سقراط حينما وجد أن دونية معرفته تفوق بكثير معرفتهم.
فالفيلسوف، إذا، شخصية لا تكتفي بالإجابات الارتجالية والسطحية والساذجة. إنه إنسان يرفض الاعتقاد بوجود أفكار جاهزة ومعارف مسلم بها. إنه، كذلك، رجل سجال ونقد، رجل إقناع واقتناع، يقارع الحجة بالحجة، علما بأنه يؤمن بالاختلاف. ومن ثمة فإنه ضد جميع أشكال العنف؛ خصوصا الإرهاب الفكري الذي يمارسه كل متسلط دوغمائي، علاوة على أصناف القهر الجسدية والنفسية.
هكذا نجد ماركس – مثلا – جند نفسه لمحاربة الاستغلال الطبقي، ونجد فلاسفة الأنوار جندوا أنفسهم لمحاربة هيمنة الكنيسة، وتسلط طبقة النبلاء.
إن الفيلسوف إنسان ملتزم بقضايا عصره، وبهموم المجتمع، وبرغبة الإنسان الدائمة نحو الحرية والانعتاق. وهذا ما يحطم الاعتقاد الساذج، والشائع، الذي يصور الفيلسوف في صورة إنسان زاهد في الحياة، وبالتالي إنسان يعيش على هامش المجتمع.
صحيح أن للفيلسوف آراء خاصة، وقناعات متميزة بفردانية أكيدة، وهذا راجع إلى طبيعة التفكير الفلسفي الذي يتخذ شكل تمثلات خاصة ؛ إلا أن الفيلسوف إنسان صادق مع نفسه أولا، وصادق مع الآخرين ثانيا. وصدقه هو الذي يجعله ينزع بأفكاره نحو الكونية، فيدعو الناس إلى مشاطرته أفكاره. وسعادة الفيلسوف المثلى تتجلى في الوصول إلى المعرفة لذاتها، أي أنه يحاول باستمرار أن يتخلص من البعد الدوغمائي للمعرفة.