تلبس العروس السواد ليلة زفافها ولا تزف الى العريس الا في الثوب الأسود عكس بقية شعوب العالم التي يغلب فيها زف العروس في الفستان الأبيض حيث ترتدي العروس ملحفة سوداء وهي ثوب النساء وفستانا كذلك وتغطي كل جسدها رغم انها في قمة جمالها وزينتها‚ كما ان للعريس نصيبا من السواد ليلة عرسه فعليه ان يضع في عنقه شالا أسود ويسمى عندالصحراويين بالحولي او لثام‚ ثم قليل من (الكحلة) في عينيه وتحضر العروس في جو من البهجة والسرور لتحضر حفل زفافها الى جانب عريسها وهي بكل استحياء وحياء‚
أما الظاهرة الثانية في العرس البهيج فتتمثل في إخفاء العروس عن العريس بعد عقد قران النكاح مباشرة او محاولة ذلك وكذلك محاولة ازعاج العريس وأصدقائه طيلة أسبوع العرس وهذه التقاليد تتم في جو من البهجة والفرح ويطبعها العنف في حالات اخرى وقد تتم بالمكر والخديعة تماما كالحرب لكنها حرب من شكل آخر طرفاها أصدقاء وأقرباء وكل شيء يتم بسلام ومرح تام‚
الطرف الأول يتمثل في العريس وأصدقائه ويلعب اصدقاء العريس دورا كبيرا في تنظيم حفل الزفاف وفي حراسة العريس والعروس ويأخذ هذا الطرف موقفا دفاعيا في هذه الحرب‚
الطرف الثاني وهو العروس وصديقاتها وقريباتها وكل فتيات وشابات الحي في هذا الطرف حتى بعض أقرباء العريس خاصة الفتيات حيث تلعب أخوات العريس دورا في تسهيل إخفاء العروس وذلك لإنعاش الحفل وتحريك حماس الشباب ويتميز هذا الطرف بطابع الهجوم والكر والفر من أجل إيجاد طريقة لخطف العروس وإخفائها‚ ويخضع هذا الطرف العريس لامتحان صعب وقاس وكأنهم يختبرون محبته للعروس واستعداده لتحمل مسؤوليات الزواج الصعبة والكثيرة كما يختبرون حلمه وصبره وكرمه وذلك من خلال الآتي:
أولا - إخفاء العروس:
عندها يقوم العريس بالبحث عنها بجد ونشاط لا مثيل لهما وتظهر عليه علامات الغضب دون ان يغضب فيصدر اوامره لأصدقائه وأعوانه بالبحث وتفتيش كل منازل وبيوت أقرباء العروس وصديقاتها خاصة‚
ويتم إخفاء العروس عن طريق أخذها عنوة من العريس وهذه خطوة صعبة يطبعها العنف حيث يدافع اصدقاء العريس عنه ويبعدون المهاجمات‚ وقد تجلس كل الفتيات والشابات حول العروس فيمنعنها من الحركة فلا هن اخفينها ولا هن أعطينها وهذه الحالة يمكن حلها إن طالت وتأخر الليل عن طريق ام العروس التي عليها ان تسلم العروس للعريس وتبعد الفتيات‚ كما يمكن نزعها منهم بالقوة وبعض العنف وإدخالها غرفة النوم أو المبيت المخصصة لتلك الليلة الجميلة من العمر‚
وقد تهرب العروس نفسها من العريس وتسلم نفسها للفتيات اذا سمح لها العريس بقضاء بعض حاجاتها في تلك الليلة من دون ان يحرسها‚ وإذا لم ينفع ذلك مع العريس وأصحابه اليقظين‚ تأمر الفتيات العروس ان تمنع العريس بكل قوة في تلك الليلة ولا تدعه يلمسها حتى يفكرن ويبحثن عن طريقة بالمكر والدهاء لإخفاء العروس‚ وتتم طريقة الخدعة في اليوم الأول او الثاني حيث يطلبن إحضار العروس الى بيت اهلها لتبديل الثياب او لتأكل فهي تستحي في ليلة الزفاف لا تأكل احيانا‚ او اي طلب آخر عندها يقبل العريس ويسلم العروس لأمها فلأم العروس احترام خاص عند العريس فهو يحترمها كأمه‚ وأحيانا تتظاهر بعض النساء والفتيات بعدم المشاغبة والمشاجرة وبأن العروس المسكينة محبة لزوجها لم تكد تجده او تحصل عليه ولا تريد ان تزعجه لا تريد ان تختفي‚ او ان بعض الفتيات منضمات لصف الفتيان لمنع إخفاء العروس وهكذا إذا أمن العريس مكرهما مكرن به وأخفين عروسه لساعات او ليوم او أكثر‚ عندها يبدأ أصدقاء العريس وأعوانه بتنفيذ اوامره وتفتيش كل منازل أهل وصديقات العروس وأقربائها بيتا بيتا غرفة غرفة وهكذا تستمتع الشابات والفتيات من منظر العريس وهو يبحث بكل جدية وحماس عن عروسه وكأن عروسه لن تعود اليه ابدا وأصدقائه يتوعدون الفتيات الاتي توجد العروس عندهن بالضرب والتنكيل فيستمتعن ويدركن ان العريس محب فعلا لهذه العروس ومستعد للتضحية والبذل من أجلها فيتمنن لو كان زوجا لإحداهن ويطمئنن لعروسهن على زواجها ويسألن لها التوفيق مع هذا البطل الذي يبحث في كل مكان عن جوهرته الثمينة المختفية‚
فإذا و جدت العروس في أحد البيوت تهرب الفتيات خوفا من الضرب بالسياط الذي يتعرضن له من طرف أصحاب العريس الغاضبين في جو من الفرح والسرور‚ توجد العروس وتنطلق الطلقات النارية من فوهة البنادق وتنطلق الزغاريد مدوية في عنان السماء من حناجر النساء و يعود العريس بالعروس في جو من البهجة والفرحة لا مثيل لهما ومن السرور والعاطفة الجياشة من طرف العريس وكأنه يقول لعروسه لن تهربي مني ولن يأخذك احد غيري انت لي وحدي‚
اما اذا لم توجد العروس بسرعة وتعب اصحاب العريس وأعوانه ويئسوا من معرفة مكان اختفاء العروس فلم يبق الا اللجوء الى المفاوضات مع الطرف المنتصر في المعركة وهو الشابات والفتيات‚ ويقوم الطرف المنتصر بتقديم شروطه ومنها ألا تعاقب الفتيات اللواتي دبرن عملية خطف وإخفاء العروس وعلى العريس اقامة حفل خاص بصديقات العروس وتوزيع بعض الهدايا او نحر جمل أو بعير سمين وتقسيمه على أهل الحي او احضار احدى الفرق الموسيقية الغنائية المشهورة في البلد لإنعاش حفل العرس واستمرار العرس يوما أو يومين زيادة على وقته العادي وليس على الطرف المنهزم الا ان يقوم بتلبية جميع الشروط أو على الاقل أغلبها من اجل اعادة العروس بسرعة فالعريس متلهف ومشتاق لعروسه ومستعد للبذل والعطاء من اجل استعادتها‚
ثانيا - جلسة السجال والمنادمة:
وفي هذه الجلسة التي تتم على شكل سهرة عند أهل العروس او المكان المخصص للعرس‚ يتلقى العريس بعض الكلمات القاسية تصل الى درجة الشتم المباشر او يعيره بحادثة وقعت له في صباه او وقعت لأحد ذويه فيعيرونه بها‚ كل ذلك من اجل ان يغضب‚ فهم بهذه الطريقة يختبرون صبره وحلمه‚ فلا يرد العريس ابدا على المهاجمات ولا يغضب ابدا‚ لكن يحق لأصدقائه الرد عنه وبالمثل او اكثر‚ وأحيانا يتم في جلسة السجال هذه تبادل مقطوعات شعرية من الشعر العربي والشعبي بين أصدقاء العريس وصديقات العروس فهذه الجلسة فرصة احيانا لمناظرة ادبية بين الطرفين تقوم الفتيات بغناء الابيات الشعرية المتبادلة على إيقاع الطبل المحلي في هذه المناظرة الظريفة التي يركز فيها اصحاب العريس على مناقبه وأهله دون ان يسيئوا للعروس او اهلها‚
ثالثا - فرحة العروس:
او جائزة العروس وتسمى عندنا (حوصة العروس) والغريب ان فرحة العروس لا تطالب بها العروس ولا أهلها ولا صديقاتها ما هي حق وتقليد للمغنين الذين انعشوا الحفل او اشخاص آخرون لا اريد ذكرهم خوفا من بعض الحساسيات‚ المهم ان الشخص الذي يريد ان يظفر بجائزة العروس عليه ان يظهر على منصة حفل العرس ويطالب بها على الملأ‚ فيبادر اهل العريس الى دفعها بسرعة فداء لعروسهم ويصبح مبلغ المال المدفوع ملكا لذلك الشخص سواء فنان او آخر‚ فيعتبر هذا اختبارا لسرعة كرم العريس وأهله واستعداده التام للبذل والعطاء من اجل المحافظة على عروسه وعلى زواجه‚ كما يمكن لهؤلاء الأشخاص ان يطالبوا بفرحة العريس نفسه وفي هذه المرة يدفع اهل العروس فداء لعريسهم‚
وهكذا يبذل الرجل كل جهده وما يستطيع لإنجاز عرسه واذا تم العرس بالطريقة هذه من حفلات وشجار ومساجلات ومشادات كلامية ومنادمات وسهرات وظهر العريس بكل ثقة وتماسك وصبر وحلم وعفو وكرم‚ فيكون قد نجح في الامتحان بامتياز وحق له ان يأخذ عروسه وان يعيشا بسلام ووئام مع هذه الذكريات بحلوها ومرها التي ستبقى للعروسين طيلة حياتهما ليحكياها للأبناء والبنات فيما بعد‚
وهكذا تتمنى كل فتاة وشابة في الحفل ان تحصل على عريس مثله في كرمه وصبره وحلمه فهو فارس احلام فعلا‚ اما اذا قصّر العريس او ظهر بمظهر لا يناسب الحدث فإن البعض يتشاءمون من العرس ويتأولون نسب العريس بل ويراهنون على ان الزواج لن يستمر طويلا‚ فالعريس لا يتحمل المسؤولية وليس مهتما بعروسه‚ وتقع تأويلاتهم احيانا فعلا.......بعد كل هذه التفاصيل يتضح لنا مدى جمال و عراقة ثقافتنا الصحراوية والتي قد لا نجد لها مثيلا في ثقافات اخرى... فهل ستجرؤون يوما على التخلي عن هذه التقاليد وتقليد ثقافة أخرى؟