قبول فلسطين عضوا في المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو ) يوم 31-10-2011 يعتبر نصرا دبلوماسيا ومعنويا لفلسطين، صحيح أن اليونسكو منظمة دولية متخصصة لا تتدخل بالشأن السياسي ولا تُصدر قرارات ملزمة.
وصحيح أيضا أن هناك فرق بين العضوية في منظمة دولية متخصصة كاليونسكو والعضوية في منظمة الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن ،ذلك أن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لا تكون إلا من خلال مجلس الأمن أما العضوية في اليونسكو فلا يكون لها نفس الدلالة السياسية لان اليونسكو قبلت بعضوية دولة فلسطين دون أن تخوض بماهية وحدود هذه الدولة.
ومع ذلك فالعضوية في اليونسكو يعد مؤشرا على تزايد الاعتراف والقناعة الدولية بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة خاصة بهم وهو مؤشر على تراجع قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التحكم في الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة،وهو اعتراف سيجعل موقف واشنطن أكثر إحراجا عند التصويت في مجلس الأمن على عضوية فلسطين،وسيزيد من محاصرة إسرائيل دوليا.
اعتراف اليونسكو بدولة فلسطين عضوا كاملا يؤشر على أهمية الجهود السياسية والدبلوماسية التي يبذلها الفلسطينيون وأن العمل السياسي العقلاني والهادئ شكل من أشكال النضال الوطني وهو مؤشر على أنه إن لم نكن قادرين الآن على هزيمة إسرائيل عسكريا أو بالضربة القاضية يمكننا الانتصار عليها أو توفير شروط الانتصار بتراكم تسجيل نقاط لصالحنا دون أن يعني ذلك تجاهل أشكال النضال الأخرى التي يجب أن تندرج في إطار إستراتيجية وطنية وبشكل لا يؤثر سلبا على الجهود السياسية والدبلوماسية.
وهكذا بعد اعتراف اليونسكو لا شيء يمنع من اكتساب العضوية في بقية المنضمات الدولية المتخصصة الشبيهة باليونسكو وهي:برنامج الأغذية العالمي ،برنامج الأمم المتحدة للبيئة،منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية،برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ،منظمة الصحة العالمية،المنظمة العالمية للأرصاد الجوية،المحكمة الإدارية للامم المتحدة،الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، لغربي أسيا (أسكوا) ففي هذه المنظمات لا يوجد فيتو أمريكي أو غيره.
اليونسكو لا تستطيع إلزام إسرائيل أو واشنطن بشئ لأن أهدافها وكما هو مقرر لها عند التأسيس هو العمل على تعزيز التعاون السلم العالمي من خلال التربية والعلوم والثقافة، وبالتالي قدرتها على العمل مرتبط بتعاون مختلف الأطراف على تحقيق أهدافها وتوصياتها،ولان واشنطن وتل أبيب متخوفتان من تداعيات اعتراف اليونسكو بفلسطين فقد تنسحبان من هذه المنظمة أو يوقفا تمويلها وسبق لواشنطن أن انسحبت من اليونسكو عام 1985 ولم ترجع لها إلا عام 2003 وسبق لبريطانيا أيضا أن انسحبت من اليونسكو،إلا أن انسحابهما أو التهديد به يجب أن لا يؤثر على استمرار الجهود الفلسطينية لاكتساب العضوية في بقية المنظمات الدولية لأنها معركة يجب ان تُخاض حتى النهاية.
اعتراف اليونسكو تحديدا بعضوية فلسطين أمر مهم نظرا لطبيعة الصراع بيننا وبين إسرائيل، فمعركتنا ليس حول احتلال الأرض كما هو الحال لبقية الشعوب التي خضعت للاحتلال بل معركة حول الوجود الوطني الفلسطيني برمته :أرضا ،ثقافة وهوية وتاريخا، ذلك أن الجهود التي تقوم به إسرائيل لتدمير ونفي ثقافتنا وهويتنا وتراثنا لا تقل عن جهودها لسرقة الأرض الفلسطينية، وقد لاحظنا ما تقوم به إسرائيل من تدمير لتراثنا وآثارنا سواء المادية أو المعنوية، وما يجري في مدينة القدس والخليل ونابلس وما يجري من سرقة الثوب الفلسطيني وشجرة الزيتون الفلسطينية والمأكولات الفلسطينية ونسبتها لهم يبين خطورة المعركة مع الكيان الصهيوني وتشعبها لمجالات متعددة.
عضوية فلسطين في اليونسكو يفتح المجال أمام الفلسطينيين للنضال والعمل في مجالات لا تقل أهمية عن المجال السياسي والعسكري وهو ميدان التربية والعلوم والثقافة وهذا ميدان واسع يشمل التعليم والبحث العلمي والفنون والمعرفة بكل أشكالها وتبادل الثقافات وحماية البيئة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتدريب في هذه المجالات.
هذا يتطلب من الفلسطينيين تجهيز طواقم جديدة تستطيع توظيف الإمكانيات التي تتيحها عضويتهم في اليونسكو، ذلك أن اليونسكو تقوم بتنفيذ برامج في الميادين المشار إليها بناءً على طلب الأعضاء فيها،وهذا يتطلب أن تقوم الدولة العضو باتخاذ إجراءات وتهيئة الظروف حتى يمكنها الاستفادة من خدمات اليونسكو.
من المهام العاجلة التي يجب على الفلسطينيين القيام بها الآن:
1- تفعل توصيات وقرارات سابقة صدرت عن اليونسكو لها علاقة بفلسطين وأخرها قرارات دورته الـ 185 .
2- وضع قانون فلسطيني لحماية التراث.
3- مطالبة إسرائيل بإرجاع ما سرقته من آثار.
4- مطالبة إسرائيل بوقف الحفريات في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية.
5- وضع المناطق الأثرية الفلسطينية تحت حماية اليونسكو
6- وضع وتطوير برامج في التربية والعلوم والثقافة لتشرف عليها وتمولها اليونسكو.
7- تشكيل طواقم من الخبراء في التربية والثقافة والعلوم للعمل مع اليونسكو وشبكة المنظمات الأهلية وغير الحكومية التي تتعامل معها اليونسكو والمنتشرة في كل بقاع العالم.
8- ضرورة أن تشمل أنشطة اليونسكو الضفة والقدس وقطاع غزة ولاجئي الشتات.
9- رفع ميزانية الوزارات التي تشملها اختصاصات اليونسكو وخصوصا وزارة الثقافة ووزارة السياحة ووزارة التعليم وتطوير كادرها حتى يمكن الاستفادة القصوى من خدمات اليونسكو.
وأخيرا نقول بأن متغيرات إقليمية ودولية تجري من حولنا وهي متغيرات داعمة لعدالة قضيتنا ،فإذا أضفنا لحالة التأييد والتعاطف العالمي مع شعبنا مكسب اعتراف اليونسكو بفلسطين دولة ومكسب أن فلسطين عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة ويمكن تطوير الصفة التمثيلية إن لم تنجح جهود العضوية من خلال مجلس الأمن،فإن الشرط الدولي لقيام الدولة الفلسطينية أصبح متحققا وتبقى مسؤولية تقع على عاتق القوى السياسية الفلسطينية بتوفير الشرط الوطني لتوظيف هذه المكتسبات و الشرط الوطني يحتاج لإجراءين:
الأول: التقدم سريعا نحو مصالحة إستراتيجية،مصالحة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بحيث يستوعب كل القوى السياسية وكل تجمعات الشعب في الداخل والخارج والابتعاد عن مصالحة إدارة الانقسام أو تقاسم مغانم سلطتين مأزومتين.
والثاني: إعادة النظر بوظيفة السلطة الفلسطينية- وليس حلها- بتحويلها من سلطة حكم ذاتي خاضعة للشروط الإسرائيلية لحكومة وطنية تفرض وجودها على الأرض وتكتسب شرعيتها من الشعب ومن الاعتراف الدولي الذي تجسد في الفترة الأخيرة وبذلك نضع إسرائيل أمام الأمر الواقع، لأنه لا يعقل أن ننتظر من المنتظم الدولي أن يقوم بنفسه بتحويل سلطة الحكم الذاتي لسلطة وطنية سيادية