تفاهمات وراء الكواليس
في
منتدى الجزيرة السابع (16-18 مارس/آذار 2013) تحدث الباحث في الشؤون
الإستراتيجية ومستشار الرئاسة الإيرانية أمير موسوي عن محادثات
أميركية-إيرانية ورسائل متبادلة على أعلى المستويات، وألمح إلى اتفاق مقبل
بشأن الملف النووي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
لم يعط موسوي الكثير من التفاصيل لكنه كان حريصًا على تأكيد أن "التوافق
الأميركي-الإيراني سيكون في مصلحة العرب؛ حيث ستحافظ إيران على القضايا
الأساسية للأمتين العربية والإسلامية". وقد تلقى مقولة: "الحرص" الإيراني
على مصلحة العرب، الكثير من التشكيك من قبل أطراف عربية، لكن المؤكد أن
القضايا العربية، وفي مقدمتها الثورة السورية وتعقيدات الوضع السوري، حاضرة
بشكل محوري في الرسائل المتبادلة والاجتماعات السرية التي عُقدت بين
الجانبين في عواصم غربية وفي العراق.
على
مدى عقود سابقة، ساد في الخطاب السياسي الإيراني أن المسألة مع الولايات
المتحدة الأميركية هي مسألة "الاستكبار والاستضعاف"، وتحدثت إيران عن نفسها
كطرف مستضعف وفي الوقت نفسه كداعم وحامٍ لجبهة المستضعفين في مواجهة
الجبهة الأخرى "المستكبرين"، لكن "المستضعفين" اليوم يتحدثون عن "مصلحة
النظام" التي تقتضي فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية. وربما
يفسر هذا التحول المحاولات التي تجري بشكل كبير لإعادة "تأويل" خطاب
الخميني على هذا الصعيد، والتشكيك في كونه أيّد عملية اقتحام السفارة
الأميركية في طهران بدايات الثورة، وهي الحادثة التي تحيي إيران ذكراها
سنويًا ووصفها الخميني بأنها "ثورة ثانية وأكبر من الثورة الأولى". بل إن
هذه المحاولات تتحدث عن أن خطاب قائد الثورة تجاه الولايات المتحدة
الأميركية "حمّال أوجه" ولم يعارض إقامة العلاقة لكنه وضع شروطًا لها.
و"مصلحة
النظام" قد تكون السبب الأبرز الذي جعل مرشد الجمهورية الإيرانية، آية
الله علي خامنئي، يُظهر قبولاً بالتفاوض مع أميركا بعد أن كان يصف
التصريحات الأميركية والمتضمنة الرغبة في التفاوض بأنها لا تعدو أن تكون
"خدعة"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وغابت عن أحاديث مرشد الثورة الإسلامية مسحة السخرية من اعتقاد البعض بأن
"التفاوض سيزيل العداء"؛ فالخصومة من وجهة نظره لا تزول بالتفاوض
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
لكن خامنئي وهو يصف المفاوضات مع "دولة تعمل وتخصص ميزانية للإطاحة بنظام
الحكم في إيران" بأنها "حماقة وخيانة" لم ينفِ قيام علاقات بصورة قطعية
وإنما أبقى الباب مواربًا، جاعلاً المسألة محكومة بمصلحة إيران. وقد سبق
لخامنئي أن قال في حديث للنخب الثقافية في مدينة يزد عام 2007: في اليوم
الذي ستكون فيه العلاقات ذات نفع للشعب الإيراني سأكون أول شخص يؤيد ذلك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
في
رسالة أوباما الأخيرة يمكن بوضوح ملاحظة تراجع صيغ "الوعيد" والعودة إلى
صيغ يستدعي من خلالها الصبغة الإنسانية المتسامحة في شعر سعدي وحافظ. في
فترة رئاسته الأولى وجّه أوباما رسالة تهنئة إلى الإيرانيين بمناسبة عيد
الـ"نوروز"، وبعد عام من إعلانه «بداية جديدة» مع طهران، جدد فيها الرئيس
الأميركي عرض إدارته إجراء حوار مع طهران بعد عام من فشل عرضه الأول.
وبينما اقتبس أوباما في عرضه الأول العام الماضي مقتطفات من شعر سعدي
الشيرازي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]،
الشاعر الإيراني المعروف، فإنه استخدم عبارات لم تكن تخلو من الوعيد؛ حيث
أكد أن «واشنطن تسعى لفرض عقوبات قوية لمنع إيران من الحصول على سلاح
نووي». وانتقد خامنئي الرئيس الأميركي واصفًا إياه بأنه "يقول كلمات ظاهرها
ودي لكنها ليست في الواقع سوى يد من حديد في قفاز من مخمل"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي مقال نُشر في صحيفة كريستين ساينس مونيتور، قال سكوت بيترسون: إن
خامنئي كان محقًا في نظرته إلى أوباما، وقال بيترسون: إن وثائق ويكيليكس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كشفت أن أوباما في محادثاته الخاصة مع الأوروبيين يدفع باتجاه تشديد
العقوبات على إيران، وأن السياسة الأميركية تجاه إيران لها خطان متناقضان
بنسبة 180 درجة؛ أحدهما ظاهري معلن والآخر خفي يناقضه.
في
الجانب الآخر، وبصورة مكررة، يتعمد المسؤولون الإيرانيون في الآونة
الأخيرة الحديث عن التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية واحتمالات
استئناف العلاقات المقطوعة معها منذ أكثر من ثلاثة عقود ونيف. تشير هذه
التصريحات إلى وجود نقاش عام يهدف لخلق حالة شعبية تؤيد التفاوض مع أميركا
وترى فيه مصلحة وطنية. وقد صرّح آية الله هاشمي رفسنجاني بأن هذا الشكل من
العلاقة بين إيران وأميركا "لا يمكن أن يستمر"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان رفسنجاني خلال السنوات الأخيرة من عمر الخميني قد قام بمخاطبته من
خلال رسالة خطية، طرح خلالها سبعة موضوعات، ناصحًا إياه بضرورة حلها في
حياته، لأنها بغير ذلك ستتحول إلى معضلة. وكان في مقدمة تلك القضايا
العلاقة مع أميركا. أعقب تصريحات رفسنجاني مقابلات صحفية لرئيس مجلس الشورى
علي لاريجاني تحدث عن تفاوض واسع يفتح جميع ملفات الخلاف
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وعقب فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، قال محمد جواد
لاريجاني، شقيق رئيسي السلطتين القضائية والتشريعية وأحد منظّري التيار
الأصولي في إيران: "مستعدون للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية ولو في
قعر جهنم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]،
إذا ما اقتضت مصلحة الجمهورية الإسلامية ذلك"، و"المفاوضات مع أميركا ليست
تابوهًا حتى تكون محرمة". وانضم الأخ الثالث صادق لاريجاني وأدلى بدلوه في
هذه المسألة في اجتماع لكبار المسؤولين في السلطة القضائية التي يرأسها،
مشددًا على أن "على الأميركيين أن لا يظنوا أنه بإمكانهم ابتزاز شعبنا عبر
الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وعند
إمعان النظر في مجمل التصريحات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين على هذا
الصعيد، نجد أنها تنوعت من حيث مستويات المسؤولية لتشمل رئيس مجمع تشخيص
مصلحة النظام ورئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائية، وقبل ذلك كله
نُخبًا وشخصيات أصولية مقربة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والحال
ذاته نجده في مؤسسة الرئاسة الإيرانية. يضاف إلى ذلك أن عددًا من الباحثين
وأساتذة الجامعات في أميركا من أصول إيرانية ساهموا في إحداث هذا التقارب
وخلقوا حالة من النقد لازدواجية السياسة الأميركية تجاه إيران وخاصة في
موضوع العقوبات، وقد يكون ذلك سببًا في بدء الحديث عن "لوبي إيراني" في
الولايات المتحدة الأميركية.
ترتيب جديد للأولويات
وسط
تراجع وتيرة الخطاب الأيديولوجي في الجمهورية الإسلامية، يتعالى الحديث عن
ضرورة قيام إيران بمضاعفة فرصها على صعيد سياستها الخارجية من خلال تعزيز
قدرتها في مجال الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي)، وإيجاد شبكة من
العلاقات العامة على مستوى العالم.
وفيما
تتقافز إلى السطح من جديد ملفات الخلاف وكمّ كبير من الأسئلة بشأنها،
يتقدم السؤال الجذري المتعلق براية "مواجهة الاستكبار" التي ترفعها إيران
وما إذا كانت جزءًا جوهريًا ومكونًا أساسيًا في الثورة أم لا؟ وتعكس بعض
الإجابات القادمة من طهران اليوم مقدار التحول، فالبعض يقدم إجابة نافية،
ويرى أن ظروفًا ومجريات سياسية هي التي فرضت هذا الشكل من العلاقة بين
الجانبين، وهذا لا يعني ضرورة استمرار الحالة. لقد باتت "المصلحة الوطنية"
هي الثابت الذي تتحدث عنه إيران اليوم. وتبعًا لذلك تطفو إلى السطح القاعدة
التي تحكم العلاقات الدولية: لا يوجد عدو دائم أو صديق دائم.
في
هذا السياق، يتقدم الاقتصاد والمنافع الوطنية الإيرانية على الشعار
الأيديولوجي ضمن تساؤلات تتحدى معارضي المفاوضات وتبحث عن جدوى استمرار
القطيعة ما دامت توجه ضربة للمصالح الوطنية الإيرانية. وتصل حالة التساؤل
هذه حد السخرية من دعاوى استقلال القرار كسبب للقطيعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
قد
يكون الخطاب القائم على "دار الكفر" و"دار الإسلام" هو الخطاب الأقل
تناقضًا عند رفضه للعلاقات مع واشنطن، لأنه يعتبر أن الوقوف في وجه
الاستكبار العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية تاريخية
تقع على عاتق الجمهورية الإسلامية، لكن مساحة هذا الخطاب تراجعت حتى باتت
لا تظهر في السياسة الخارجية الإيرانية. لا يبدو هذا الخطاب معنيًا
بالمكاسب التي من الممكن أن يحققها الاقتصاد الإيراني بعد إنهاء القطيعة،
لكن الغالبية تبدو معنية بذلك اليوم أمام ضغط العقوبات وارتفاع مستوى
التضخم واتساع رقعة الفقر.
يعدّد
المتفائلون على الصعيد الاقتصادي ما يمكن أن تجنيه إيران من مكاسب مالية
تعود بالرفاه من ملف الطاقة إذا ما تغير الموقف الأميركي الرافض لدخول
إيران إلى قطاع الاستثمار النفطي في منطقة القفقاس، ويرون في الاتفاق
الإيراني-الباكستاني الأخير لتصدير الغاز عبر مد أنبوب من حقل غاز «بارس
الجنوبي» الإيراني إلى الأراضي الباكستانية، إنجازًا سياسيًا واقتصاديًا
مهمًا. وهذا الاتفاق الذي بدأ العمل به بعد 20 سنة من المفاوضات، تأخر بفعل
معارضة واشنطن؛ فهل يعني هذا أن الولايات المتحدة الأميركية غضّت الطرف
وأرسلت إلى طهران بادرة لما يمكن أن تقود إليه المفاوضات. إن هذا الاتفاق
يعني الكثير بالنسبة لإيران، في مقدمة ذلك الدخول إلى سوق جديدة لصادرات
الغاز بعد إغلاق كثير من الأسواق الأوروبية والآسيوية أمام صادراتها بسبب
العقوبات، خاصة وأن ذلك جاء في ذروة الحديث عن عقوبات أقسى. ويعزز من هذا
الطرح أن المشروع الإيراني ينافس مشروعًا أميركيًا بديلاً يهدف لمد خط
أنابيب لتصدير الغاز من تركمانستان إلى دول غرب آسيا (أفغانستان وباكستان
والهند) بدلاً من الخط الإيراني.
مصالح ضاغطة وتقارب بارد
يحذر دبلوماسيون إيرانيون سابقون من الإفراط في التفاؤل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛
فعودة العلاقات لا تعني حلاً لجميع المشكلات الإيرانية، كما يقول صادق
خرازي السفير الإيراني السابق في سويسرا، وهي وإن كانت تحمل جوانب إيجابية
إلا أنها ستخلق مشاكل جديدة لا تُصنّف في خانة المشكلات السهلة. وهنا لابد
من القيام بعملية تفكيك لثلاث مقولات فيما يتعلق بالعلاقات
الإيرانية-الأميركية، وهي: المفاوضات والعلاقات الدبلوماسية والعلاقات
الحسنة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
إن
التفاوض والوصول إلى صفقة بين الطرفين لا يعني بالضرورة الوصول إلى
العلاقات الحسنة بقدر ما يمكن أن يكون إقرارًا متبادلاً بمصالح كل طرف.
ويبدو السيناريو الأخير هو الأقرب للتحقق مرحليًا مع ملاحظة الوجه الآخر
للعلاقة على مدى سنوات "القطيعة". فحال الطرفين في الماضي بقي كحال اثنين
على خلاف، لكن بينهما منافع ومصالح مشتركة تجبرهما على استخدام جميع أساليب
التواصل ليكون كل طرف على اطلاع على وجهة نظر الطرف الآخر، لكن مع الحفاظ
على الهيئة المتجهمة والعابسة في وجه الطرف الآخر، ومع المواظبة على إيصال
رسالة للآخرين بأنهما لن يتنازلا مطلقًا. وهذا المثال يصدق على إيران
وأميركا؛ فطوال أكثر من 30 عامًا من القطيعة، كانت هناك مواقف مشتركة،
وجلسات حوار، وحديث عن المواقف بشأن أفغانستان والعراق وتبادل رسائل
التهنئة أحيانًا والنصيحة أحيانًا أخرى.
في
مشهد التفاوض المحتمل، وعلى الرغم من عقود من شعارات "الموت لأميركا"
ومظاهرات الأكفان التي تتوعدها، يبدو أن الأصوليين الإيرانيين هم الأقدر
على الدخول في هذه العملية والخروج بقرارات مهمة بشأنها، خاصة وأن مرشد
الثورة بات قاب قوسين أو أدنى من إعطاء الضوء الأخضر لعملية تفاوض واسعة مع
الولايات المتحدة الأميركية بعد جلسات من المحادثات السرية بين مسؤولين
إيرانيين بينهم ممثلون لخامنئي ومسؤولون من الإدارة الأميركية. يكتسب قرار
التفاوض من جانب المرشد أهمية كبرى، فهو لن يقف وحيدًا وسط سيل من
المعارضين كما حدث مع الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وكذلك مع محمود
أحمدي نجاد. سيأتي قرار خامنئي مدعومًا بالفتوى وقوة الحرس الثوري ورغبة
شعبية بضرورة خروج إيران من أزماتها.
تكتسب
الرغبة الإيرانية في التفاوض دعمًا جديدًا مع تراجع مقولة: إن "مواجهة
أميركا تُكسب الجمهورية الإسلامية مكانة كبيرة لدى الشعوب الإسلامية وتضمن
لطهران تحالفاتها"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وتبدو العلاقة مع حركة حماس نموذجاً جيدًا يسوقه صادق زيبا كمثال على ذلك.
فبعد الثورة السورية كانت الحركة تفصل مسارها وتُعيد النظر في علاقتها
وتحالفها مع طهران.
هل أصبحت إيران جاهزة؟
انتهت
اجتماعات الخبراء بين إيران ومجموعة 5+1 في إسطنبول بعد يومين من التفاوض،
وقدم كل طرف مقترحًا لحل أزمة الملف النووي، وقبل ذلك أعلن وزير الخارجية
الإيراني علي أكبر صالحي عن قرار إلغاء تدريجي للعقوبات على إيران هذا
العام. وعبّرت كاترين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي
عن أملها في تلقي رد إيجابي من إيران بشأن مقترح قُدّم لها، وأن تشهد
مفاوضات كازاخستان المرتقبة تطورًا مهمًا على هذا الصعيد. ويشير ما رشح من
أنباء عن المقترح الأوروبي إلى تخفيف تدريجي للعقوبات بالتزامن مع برنامج
لستة أشهر تقدم فيه طهران ما يثبت حسن النية ويكون قادرًا على بناء الثقة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وفي
توضيحها لما أعلنه صالحي عن إلغاء تدريجي للعقوبات قالت الخارجية
الإيرانية: عندما يتم الاعتراف علنًا بحقوق إيران وإزالة عوامل القلق تفقد
القرارات ضد إيران بحجة برنامجها النووي قيمتها. ومن الطبيعي أن تقود
التوضيحات التي تقدمها الجمهورية الإسلامية إلى إنهاء الضغوطات وهو ما
ستحمله نتائج المفاوضات المقبلة.
تحدد
إيران "الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية" كشرط للوصول
إلى اتفاق. رغم أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي لم يُبدِ
تفاؤلاً بالمفاوضات مع الجانب الأميركي واعتبرها "تكتيكا أميركيًا لخداع
الرأي العام"، لكنه أعلن أنه لا يعارضها. وفيما ينظر الكثير من الأطراف إلى
الموضوع النووي الإيراني كمعضلة تواجه المفاوضات الإيرانية-الأميركية، يرى
خامنئي أن "الحل سهل" إذا ما رغبت أميركا فعلاً في الوصول إلى حل، فقد
"أكدنا مرارًا حرمة السلاح النووي وليس لدينا سوى أهداف سلمية على العالم
الاعتراف بحقنا في تحقيقها".
لقد تحدث
الإيرانيون بتفاؤل عن المفاوضات التي جرت على مستويات عليا في كازاخستان،
وسادت هذه الحالة أيضًا عقب الاجتماعات الفنية في إسطنبول، ورأى الغرب أن
العقوبات هي التي جعلت إيران تجلس إلى طاولة المفاوضات، وأن الرغبة
الإيرانية بالتخلص من عبئها هو الذي سيجبرها على تقديم تنازلات بشأن
برنامجها النووي. في الواقع لا يمكن القول بأن التفاوض بحد ذاته عكس
استسلامًا إيرانيًا للشروط الأميركية، وإن كان مسؤولون إيرانيون قد تحدثوا
عن احتمال تعليق إيران مستوى تخصيب اليورانيوم عند 20 بالمائة إذا تمت
تلبية احتياجاتها. ما زالت إيران تضع الشروط نفسها التي بدأت بها مفاوضاتها
مع الغرب قبل سنوات، وتطالب باعتراف واشنطن بالثورة الإسلامية واحترام
استقلال إيران وحقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، فهل أرسلت واشنطن
أية اشارات إيجابية بخصوص الاستجابة لهذه الشروط؟
لا
يبدو إلى حد الآن أن هناك استعدادًا لدى الإدارة الأميركية للقبول بإيران
وفق شروطها المعلنة، وبما تسميه إيران "تحقيق مصالح كل طرف". لكن على صعيد
آخر، يبدو أن العقوبات الأميركية وصلت إلى حدودها القصوى كما لم يعد
مقبولاً استمرار استهداف شركات تابعة لقوى كبرى كالصين بحجة أنها تخرق
الحظر المفروض على المعاملات التجارية مع إيران.
قد
يكون هذا المأزق هو ما دفع ببعض الخبراء الأميركيين، منهم هيلاري مان
وفلاينت ليفرت اللذان اشتركا في تأليف كتاب "اذهبوا إلى طهران"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]،
إلى الاعتقاد بأن الطريق الوحيد أمام واشنطن هو انتهاج دبلوماسية واضحة
تقبل بالجمهورية الإسلامية كحقيقة سياسية وكلاعب أصلي في الشرق الأوسط،
وتأخذ المصالح الإيرانية بعين الاعتبار. إن إحراز أي تقدم على صعيد هذا
الملف يتطلب تغييرًا في إستراتيجية التفاوض من طرف الولايات المتحدة من أجل
إحداث تغيير في الموقف الإيراني الذي بات بدوره جاهزًا لهذا التغيير.
يعتقد الباحث ولي نصر أن إيران باتت مجبرة على القبول بإحداث التغيير لأن
المكانة الإستراتيجية لإيران تأثرت بصورة كبيرة بالثورة السورية و"الربيع
العربي" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا