رسالة تبين أثر القعود , ونتيجة التسويف , القعود الذي لا يأتي بخير , ولا
يحضر بتفاعل مثمر , أهله يعشقون التواكل , ويعتمدون على الإتكالية ,
ويسهرون مع العبث , وتراهم يعيشون في قلق مستمر , ويقبعون في مستنقع
التأجيل والتسويف , ويبنون من الأحلام ما لا يستطيعون تحقيقه , راياتهم
سوداء من سواد خطواتهم الشيطانية , وغاياتهم خرقاء لأنها لا تعدو أن تكون
شهوانية , شعارهم عش يومك , ودثارهم خيوط الإحباط , فرضوا بكل ذلك – القعود
مع الخوالف – وحبّوا لأجل رغباتهم الدونية الصف الأخير , إذا دعوا إلى مجال
عمل اثاقلوا إلى الأرض , وإذا طلب منهم إنجاز دفنوا برؤوسهم التراب , أكثر
ما يتعبون لأجله الحديث بتذمر وفوقية وسخرية عن الناس , وأجمل ما يحملونه
من أخلاق بالنسبة لهم الحسد والكراهية وبغض الآخرين , لا رأي لهم يسمع ,
ولا أثر لهم يتّبع , ولن يجد وارثهم بعدهم مطمع , تراهم صماً بكماً عميا
إذا حضر الخير , وشعثاً غبراً إذا دعوا للبذل , يوقدون لكل مهزلة نار ,
ويرسمون لكل عار شعار , فأحاطهم الذل عن اليمين واليسار فكان – أي الذل –
النتيجة المتوقعة , والحنظلة المرة , والآهات التائهة الحائرة .
أهل القعود ... عجزوا عن اكتشاف ما يملكون من طاقات ومواهب وإمكانات ,
وواظبوا على مواعيد حددتها الأنفس واللذات , مخمومين بقلوب مريضة , مأسورين
لهموم متزايدة , طووا مراحل حياتهم في اللحظة الحاضرة , واختزلوا سنين
أعمارهم في أحلام اليقظة , فكانوا فعلاً لمملكة الذل ملوك , ولموطن الهوان
أسياد .
نعم ... إنها النتيجة المحسومة , والخطوة المرسومة , مع القعود يتولد الذل
الحقير ...
وفي المقابل من القعود يأتي السير , فالحركة ولود والقعود عاقر , وفي
مواجهة الهموم الدنيئة تأتي الهمم العالية , فالذل للأشقى , والعز خير
وأبقى , والسير لا يرتبط بوقت ولا مكان , وليس له خطاب ولا بيان , إنما هي
الهمم التي تسوق الأنفس لمعالي الخصال , وترمي بالعزائم لمواطن الرجال ,
وتبني بعد الفناء ذكر من أسس الأجيال , وسطّر الآمال , وخلّد في كل ميدان
سجال .
المضي إلى السمو وسيلة , والغاية الغاية , والجنة الجنة , وللرجال همم ,
وللصقور قمم , وللمتتبعة من القوم لمم .
من يعمل يصنع أثراً , ومن يضحي يُبقي ذكراً , ومن يتعرض للمكاره تصقله
سيوفها , ومن يعاند الظروف تلين أمامه الحتوف , ومن صان بان , ومن عز بز ,
ومن أعطى أخذ , ومن جد وجد , ومن زرع حصد , ولكل مجتهد نصيب , ولسجناء
الكرامة حياة , ولأسرى الصمود كيان , والعظمة للصابرين , والسؤدد للعاملين
, وسيجزي الله الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .
من يريد التغيير عليه بالمسير , ومن يتلمس جدار التفوق عليه بالسلّم القوي
, ومن يبغي الصدارة فلابد من الجسارة , وطريق القمة فيه الملمّة , الأشواك
في مستقره , والمفاوز في عرضه وطوله , والمخاطر تحاصره , والأقدام حافية ,
والقلب مشغول , وحفت الجنة بما تكرهه النفس , وتستثقله الروح , لذا كان
لذلك المكان الشاهق أصحابه فلله درهم يوم أن أهانوا كل غالٍ ونفيس , وضحوا
بكل دقيقة مع جليس , وداسوا على أنف إبليس , فكان لسيرهم طعم رائع المذاق
وإن كانت أقدامهم حافية , وكان لكلمتهم وقع في الصدور وإن كانت حناجرهم
ناشفة .
آهـ ... ما أجمل الفوز والنجاح , وما ألذ مذاقه , بعد صبر مضني وسير مشقي
وعقبة كئود .
بقلم
حسين بن سعيد الحسنية