بئر السبع
الموقع والتسمية
تقع مدينة بئر السبع في الجزء الجنوبي من فلسطين وفي الجزء الشمالي من الصحراء الفلسطينية
عند التقاء دائرة عرض 31.15 شمالاً وخط طول 34.48 شرقاً، وهذا جعلها تقع في ملتقى ثلاث
بيئات مختلفة، الصحرواية في الجنوب والجبلية في الشمال والشمال الشرقي والبيئات الساحلية، ما عزز
من أهميتها الاقتصادية والحربية، فهي البوابة الجنوبية لفلسطين والبوابة الشرقية لمصر، ولذلك كانت
محط أنظار الجيوش خصوصاً أثناء الحروب العربية الإسرائيلية.
ويعتقد البعض أن اسم المدينة (بئر السبع)، مأخوذ من بئر كان يرده حيوان مفترس هو السبع، ويعتقد البعض الآخر أن تسميتها تعود إلى وجود سبعة آبار للماء في منطقة تخلو من المياه، والحقيقة أنه إذا كان هناك سبعة آبار فإن اسمها لن يكون بئر السبع، لأنه من التسمية يتضح أنه بئر واحد. ويقال أن اسم بئر السبع يعود إلى قصة النعاج (السبع) التي أهداها إبراهيم إلى أبي مالك ملك فلسطين، وذلك لكي تشهد عليه بأنه هو الذي قام بحفر البئر هناك . وسمي المكان منذ ذلك الوقت بـ(بئر السبع) .
--------------------------------------------------------------------------------
المدينة عبر التاريخ :
يعتقد المؤرخون أن أقدم من سكن هذه البلاد هي القبائل الكنعانية وخاصة العمالقة، وقد استقرت فيما بعد مع هذه القبائل واختلطت بها، مجموعات أخرى من الأموريين والمدينيين. وهذا دليل على أن أصل أقدم سكان لهذه المنطقة هم من العرب الذين نزحوا من الجزيرة العربية .
أقام الكنعانيون في هذه البلاد 17 مدينة، بالإضافة إلى بلدة ديمونا، حيث يعتقد بأنها كانت قائمة شرقي تل الملح الواقع على بعد 24 كم جنوب شرقي بئر السبع، وكذلك إلى الشمال من قرية عرعر، وأنشأ الأموريون مدينتين بها، ومدينة أخرى أنشأها الفلسطينيون في القرن الثاني عشر قبل الميلاد .
كانت بئر السبع منطقة الاتصال في عهد الهكسوس عندما وحدوا مصر والشام في القرن السابع قبل الميلاد وعندما هزم الهكسوس وأخرجوا من مصر، تعرضت بعض بلاد بئر السبع للدمار وخاصة (شارومين). وفي القرن الخامس عشر قبل الميلاد امتد نفوذ الآدوميين إلى بلاد بئر السبع، بعد أن نزلوا الديار الواقعة بين وادي الحسا والبقعة. تعرضت بلاد بئر السبع لغارات اليهود في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقد قاوم سكانها من القبائل الكنعانية والآمورية والمدينيين والآدوميين اليهود ووقفوا في وجههم. كما تعرضت منطقة بئر السبع، كغيرها من المناطق الفلسطينية إلى الغزو الاشوري والبابلي والفارسي واليوناني والروماني . وقد كان للطرق التجارية أثر كبير في ازدهار بلاد بئر السبع، وذلك لوقوعها على طرق التجارة العربية، التي كانت تحمل مختلف أنواع المنتوجات الهندية والإفريقية الشرقية، وتمر من محطة بئر السبع التجارية. وتتجه فيما بعد إلى مصر أو إلى ساحل البحر المتوسط عند غزة .
وقد أدى ازدهار التجارة إلى قيام العديد من المدن التي بقيت آثارها حتى اليوم على شكل خرب قديمة، وكانت بئر السبع محط قوافل التجار المعينيين (دولة معين اليمنية) . ويعتقد بعض المؤرخين أن المعينيين هم الذين أسسوا مدينة غزة ومدينة بئر السبع كذلك . وبعد المعينيين جاء السبئيون وبقيت بئر السبع محطة للقوافل أيضاً، أما في فترة ظهور دولة الأنباط التي شملت كلاً من جنوب الأردن وفلسطين، بقيت بلاد بئر السبع محطة للقوافل التجارية، بل وزادت التجارة في عهد الأنباط، حيث كانت محطة للقوافل الذاهبة من البتراء إلى مصر أو إلى غزة .
دخل الأتراك مدينة بئر السبع عام 1519م، ولم يكن لهم حكم مباشر في بئر السبع، لأنهم كانوا يتجاهلون البدو، وبعد حدوث الحرب الأهلية بين قبائل الترابيين والعزازمة ، فكر الأتراك في حكم المنطقة بشكل مباشر، وذلك لوقوعها على الحدود مع مصر، حيث كانت تتبع في أوقات مختلفة إلى غزة أو القدس . وقد أسس الأتراك قضاء بئر السبع عام 1900 م، وعينت السلطات التركية مجلساً بلدياً وأنشأت داراً للحكومة وثكنة للجنود، وقامت بوضع تخطيط لمدينة بئر السبع .
تطورت مدينة بئر السبع بعد ذلك، وزاد عدد سكانها فأصبح حوالي 800 نسمة في عام 1907م، بعد أن كان أقل من 300 نسمة عام 1902م. وبنيت فيها دار للبلدية ومضخة لتوزيع الماء، ومطحنة للحبوب، ومسجد كبير ذو طابع هندسي متميز، ومدرسة للبنين ذات طابقين، غرست الأشجار على جنباتها . وتعتبر هذه المدرسة من حيث الهندسة أكبر وأجمل مدرسة أميرية تعود لحكومة فلسطين في سنة 1930 م .
بعد عام 1914 ودخول تركيا الحرب العالمية الأولى، أصبحت بئر السبع مركزاً حربياً هاماً، للإنطلاق إلى قناة السويس، فتطورت المدينة بشكل أكبر وأضيفت إليها المباني والمخازن ومحطة السكك الحديدية، وأقيمت سكة حديدية وصلت بئر السبع بباقي فلسطين والعوجا حتى الحدود المصرية، وأنشئت الطرق المعبدة التي تربطها بالخليل عوجا الحفير – الحدود المصرية، احتل البريطانيون بئر السبع عام 1917 م كما احتلوا كامل الصحراء الفلسطينية، وبقوا فيها حتى نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948م .
معركة بئر السبع:
عندما أعلن البريطانيون عزمهم على الانسحاب من فلسطين في منتصف أيار 1948 م، تشكلت في بئر السبع حامية للدفاع عنها مؤلفة من أفراد الشرطة المحلية والهجانة. وقد استطاع مناضلوا المدينة في حدود إمكانياتهم أن يقوموا بنشاط قتالي جيد، فكانوا يعترضون قوافل السيارات الصهيونية المحروسة، ويتصدون إلى جماعات الصهيونيين المسلحين، بل أنهم بعد مهاجمة قافلة صهيونية متجهة إلى مستعمرة (بيت إيشل) قاموا بمحاصرة المستعمرة نفسها .
لجأ الصهيونيون فور انسحاب القوات البريطانية من منطقة بئر السبع في 14/5/1948م، إلى بسط سيطرتهم على المناطق والطرق الهامة من الناحية العسكرية وبعد معارك عنيفة احتل الإسرائيليون بتاريخ 21/10/1948 مدينة بئر السبع كلها .
--------------------------------------------------------------------------------
السكان والنشاط الاقتصادي:
قدر الإحصاء الإنجليزي سكان القضاء قبل نهاية الانتداب بحوالي 100 ألف نسمة، منهم حوالي 91 % من البدو، وعندما احتل الصهاينة بئر السبع، قاموا بطرد سكان المدينة و 75 ألف نسمة من البدو، ولم يبق في المدينة بعد الاحتلال أي عربي، إلا أن قسماً من العرب أخذ يسكن المدينة فيما بعد، وهم يشكلون الآن نسبة ضئيلة من مجموع سكانها .
يقول عارف العارف أن عدد سكان القضاء كان يزيد عن 70 ألف نسمة في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، وهذا في اعتقاده لا يساوي 80% من العدد الصحيح للسكان . والسبب في ذلك يعود لكون غالبية سكان القضاء من القبائل البدوية التي يصعب إحصاؤها في ذلك الوقت .
إلا أن التقديرات السكانية كانت متناقضة مع الإحصاءات الرسمية، حيث قدر عدد السكان في عام 1922 م بحوالي 75.598 نسمة منهم (98) يهودياً . إلا أن إحصاء عام 1931م أعطى أرقاماً أقل بكثير من التقدير المذكور، حيث بلغ عدد السكان 51.082 نسمة، بينهم 17 يهودياً فقط، حسب هذا الإحصاء .
أما الإحصاء الذي قام به البريطانيون قبل نهاية انتدابهم لفلسطين، بين أن عدد السكان بلغ أكثر من 100 ألف نسمة منهم 91 ألف نسمة من البدو .
أما سكان مدينة بئر السبع نفسها فقد تذبذب عددهم في فترات قصيرة عدة مرات، حيث بلغ عدد السكان عام 1922 حوالي 2356 نسمة، ثم أصبح العدد 2959 نسمة، وتزايد إلى أن أصبح عام 1945 م حوالي 5570 نسمة، وفي عام 1948 م تناقص هذا العدد إلى 200 نسمة حيث هاجر معظم سكان المدينة بعد الاحتلال الإسرائيلي لها، وأخذ اليهود المستوطنون يأتون إلى بئر السبع ويستوطنونها حتى بلغ عددهم عام 1949م حوالي 1800 نسمة في عام واحد. وفي عام 1950م بلغ عدد السكان 8300 نسمة، وفي عام 1956 م بلغ عدد السكان25500 نسمة، ثم أصبح العدد 43516 نسمة عام 1961م، و74500 نسمة عام 1969م، ثم 90400 نسمة في عام 1973 م .
القبائل البدوية في بئر السبع :
الجبارات نجمات غوالي حسنات أبو معيلق الوحيدات القلازين التياها الحكوك العلامات القديرات الظلام الرماضين الشلاليين بلى بنو عقبة القريناوية البدينات عيال عمري العزازمة الحناجرة أبو مدين الظواهرة الحمدات النصيرات السعيديون الأحيوات العطاونة القطاطوة المحمديون
الأوضاع الاقتصادية :
الزراعة: بدأت الزراعة حول المدينة بعد أن استقر البدو فيها حيث أخذوا يمارسون الزراعة إلى جانب تربية المواشي، وكان أهم المحاصيل الزراعية لديهم هي الشعير، القمح، والذرة، والعدس، والفول .
التجارة: كانت بئر السبع مركزاً للقوافل التجارية في العصور المختلفة وأصبحت المدينة سوقاً خاصاً يؤمه البدو وتجار الحبوب والمواشي .
الصناعة: من أهم الصناعات التي كانت رائجة قبل 1948 هي طحن الحبوب، النسيج، العباءات، السيوف، الأصواف، دباغة الجلود، أعمال الحدادة، والتجارة .
ولكن الصناعة تطورت بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة وأقيم فيها الكثير من المراكز الصناعية مثل مواد البناء والصناعات المعدنية والأدوات الصحية، والصناعات الكيماوية .
الأسواق :
سوق الحلال: الذي كان رائجاً كل يوم اثنين من كل أسبوع ، وتباع فيه المواشي .
التعليم :
كانت المدارس في مدينة بئر السبع قليلة بالمقارنة مع مدن فلسطين الأخرى، ولم يتجاوز عددها ثلاث مدارس، حيث بدأ التعليم فيها عام 1919 بالإضافة إلى عدد كبير من المدارس التي كانت منتشرة بين القبائل البدوية على شكل كتاتيب.
المدينة اليوم :
تعتبر مدينة بئر السبع عاصمة النقب اليوم كما كانت في الماضي وقد تدفق عليها المهاجرون اليهود بعد طرد معظم سكانها الفلسطينيين ليصلوا إلى حوالي 90 ألف نسمة عام 1973 وامتد النمو العمراني الحديث وأنتشئت ضواحي جديدة وانتشرت فيها الصناعات المتعددة كالدورات الصحية والطوب والمبيدات الحشرية والمنسوجات وبها جامعة النقب ومعهد للبحوث العلمية، وقد أقيمت على أراضي بئر السبع العديد من المستوطنات بلغ عددها 92 مستوطنة.