الديمقراطية بين إغراءات المفهوم وتشوهات التطبيق
سبق
للدكتور المرزوقي أن شرح مفهوم الديمقراطية وتطبيقاتها في كتابه أية
ديمقراطية تتحدّثون؟ الصادر سنة 2004 حين كان سياسيا ومناضلا حقوقيا واليوم
يطرح تلك الإشكالية لا من وجهة نظر مثقف حقوقي مناضل بل من وجهة نظر
مسؤولية يترأس دولة في حالة مخاض دستورها يكتب.
مشروع
الديمقراطية جُرّب أكثر من غيره وانتهى دوما بنفس خيبة الأمل. استفاد
مشروع الديمقراطية من الاستبداد وهو ما جعل المرزوقي يخلص إلى نتيجة وهي أن
التاريخ يؤكد على أن "الدكتاتورية تعبد الطريق للديمقراطية بجرائمها وأن
الديمقراطية تمهّد الطريق للدكتاتورية بنواقصها". ومع ذلك تبقى مقولة رئيس
الوزراء البريطاني السابق تشرشل مقولته الشهيرة مقولة واردة وهي أن:
''النظام الديمقراطي أسوأ نظام باستثناء كل نظام آخر'' وهو ما يترجم له
مثالنا الشعبي ''الهمّ فيه ما تختار''.
ونجد
مصداق مقولة تشرشل في أن النظام الديمقراطي يظل بطبيعته في الحكم
والتطبيقات يتجافى عن ظلم الشعب ومحاربته فهو في الأساس نظاما أريد له أن
يكون من الشعب وللشعب. وأمثلة التاريخ التي تبين كيف أن بعض الدكتاتوريات
تحارب شعوبها: روسيا الستالينية مثلا أو الأرجنتين في السبعينات وألمانيا
النازية وسوريا الأسد اليوم. وهنالك سبب آخر يصدق مقولة تشرشل وهي أن
الاستبداد غير قابل للإصلاح نتيجة الحكم بالأهواء ورفض النقد وإزاحة
الأكفاء وكثرة المتزلفين حول المستبدّ. كل هذا يجعل منه سيارة دون فرامل
وحتى دون مقود والمصير معروف إلا للركاب السكارى.
ويبقى
النظام الديمقراطي مفهوما وتطبيقا على آليات تعديل تعمل باستمرار –كما بين
المحاضر- مما يقلل من الأخطاء أو يصححها. ذاك أن حرية الرأي التي يضمنها
النظام الديمقراطية تقوم بترصد التجاوزات من جهة كما أن حرية التظاهر آلية
تظل تمارس الضغط على السلطة حتى لا تمعن في غيها، ثم إن استقلال القضاء
سيضمن تتبع المفسدين والفساد وأخير فالانتخابات موعد يجعل منه الشعب فرصة
للإطاحة بمن لم يرضوا تطلعاته.
ويؤكد
المرزوقي في هذا التأصيل المفهومي أنه لا يوجد حتى الساعة نظام أثبت تفوقه
على الديمقراطية إلا في مخيلة الذين تتشكل ثقافتهم من الأساطير لا من حقائق
التاريخ. إلا أن هذه القناعة لا يجب أن تحجب عنا أننا أمام نظام فيه كثير
من النواقض وهو لا زال في طور التجريب ويمكن لنا نحن العرب المساهمة فيه
والربيع العربي يعطينا فرصة تاريخية لا تعوض لكي نكون مجدّين لا ناقلين.
الديمقراطية والعيوب الهيكلية
يرى المرزوقي أن الديمقراطية رغم قدرتها على تقديم حليل للكثير من إشكالات الحكم تبقى عرضة لتشوهات سبعة هيكلية هي:
أن الديمقراطية لا تعني دائما سيادة الشعب وإنما سيادة الأحزاب والأشخاص ومجموعات الضغط؛
الديمقراطية
لا تنهي حكم الارستقراطيات المخفية؛ بل تلك الأنظمة المقنعة تعمل في
الخفاء (الشرطة، الفساد المالي، الإعلام غير المسؤول..)
الديمقراطية لا تحقق العدالة الاجتماعية؛
كل قواعد الديمقراطية قابلة للغش أو لسوء الاستعمال وكل مؤسساتها قابلة للتفويض وتحويل الوجهة؛
الديمقراطية تفتيت للقرار وتصعيب له وحتى توزيع الدكتاتورية؛
المواطن الذي يدلي بصوته لا يأخذ دوما أصوب قرار له وللمجموعة؛
المسؤول ليس دائما على القدر المطلوب من المسؤولية.
ومع
وجود هذه العيوب السبعة فإن الديمقراطية عندما يراد لها أن تتطبق في
العالم العربي نجد انها –كما يبين الدكتور المرزوقي- تصبح نبتة معرضة للموت
السريع خاصة والتربة الثقافية ليست التي تتقبل بسهولة مثل هذه النبتة.