التلاثاء 18 فبراير 2014 الموافق ل 17 ربيع الثاني 1435
"في اللحظات الحاسمة من تاريخ الأمم والشعوب تثور تساؤلات شتى حول هويتها القومية، وجذورها الحضارية، وتقاليدها الوطنية"، وإذا طبقنا هذه الحقيقة على التاريخ المعاصر للأمة العربية، فإنه يمكن القول: إن هزيمة يونيو 1967م، وحرب أكتوبر 1973م، من ناحية أخرى تمثلان هذه اللحظات الحاسمة؛ التي أدت إلى ظهور وبلورة عديد من التساؤلات عن العرب في الماضي والحاضر والمستقبل، عن السلبيات والإيجابيات، وعن عدم الفاعلية السياسية والعسكرية من خلال الإقليمية والتجزئة، وعن الإنجاز السياسي والعسكري من خلال التنسيق والوحدة(1).
ومنه فإن الإشكالية كامنة في أن العرب يمتلكون تراثا ثقافيا حيا في نفوسهم وعواطفهم وعقولهم وراءهم وذكرياتهم وتطلعاتهم تراثا هو من الحضور وثقل الحضور على الوعي واللاوعي بصورة قد لا تجد لها نظير. لكن أصابت الوطن العربي منذ بداية القرن التاسع عشر، صدمة حضارية حين واجه الاستعمار الأوروبي (الإنجليزي والفرنسي)، ولم يكن الاستعمار الأوروبي المباشر صورة من صور المواجهة العسكرية فقط، بل أفرز – فيما أفرز– المواجهة الحضارية الشاملة مع أوروبا؛ التي جاءت إلى بلادنا ومعها مخرجات ووسائل تقدمها، وقيمها التي تعتقد أنها المقياس الوحيد للتقدم والنهوض مما ولد حالة من الانبهار العربي بالنموذج الأوروبي لدرجة مَرَضية؛ بحيث تعالت الأصوات في المجتمع الإسلامي أنه لا سبيل إلى اللحاق بركب الحضارة والمعاصرة إلا بالانسلاخ الكامل من موروثاتنا كلها، وتقمص الشخصية الأوروبية؛فكانت النتيجة هذه الصدمة الحضارية التي يعيشها العالم العربي الآن من حركة مزدوجة، وقويت موجة التغريب وسيطرت في وقت من الأوقات على الساحة الفكرية، لدرجة أن المفكر العربي المسلم صار لا يستطيع أن يتكلم عن الحرية إلا إذا كان ديكارتيًا، ولا عن العدالة الاجتماعية إلا إذا كان ماركسيًا، فأصبح الغرب هو (المعيار والميزان)، وعندما بدأت معارك الاستقلال السياسي في القرن العشرين، ونالت بعض الدول العربية استقلالها، وتم جلاء المستعمر عن أراضيها، وحين أرادت هذه الدول العربية أن تحل مشاكلها، ولم تجد البديل العربي الإسلامي، لجأت للنموذج الماركسي لحل قضية العدالة الاجتماعية، وإلى الليبرالية لحل قضايا القمع السياسي، وصار الثوب الذي ترتديه معظم الدول العربية مرقعًا؛ غير أصيل ولا متناسق.
ولكي نتمكن من تجاوز هذه المعضلة علينا الرجوع إلى الوعي التاريخي، ذلك التبصر الدائم والهادف بالتاريخ القريب والبعيد، الذاتي، والموضوعي، ومن خلال التوغل المركز في قراءة صفحات التجارب البشرية الكثيرة والمتنوعة، وفحصها وتدبرها واكتشاف المؤثرات، التي ساهمت في بعثها وإيجادها بقصد التزود والاعتبار. وأن نضع في الحسبان أن الحضارة العصرية ليست منفصلة عن عالم الإسلام، وإنما قامت قواعدها علي المنهج التجريبي الإسلامي، وعلى بناء صاغه العلماء المسلمون، فنحن اليوم حين نتصل بها لا نكون غرباء عنها، وعن جذورها، فهي ملك للبشرية التي صاغتها، وشاركت في تكوين جوانبها المختلفة.
اقرأ الْتَّارِيْخ إذ فيه العبر ضاع قوم ليس يدرون الخبر