الجمعة 21 فبراير 2014 الموافق ل 20 ربيع الثاني 1435
لا يمكن تسمية العلاقة القوية بين التراث الثقافي والموروث الشعبي إلا بالصميمية الجوهرية، وكلاهما يشكل روح الأمة وهويتها؛ فالموروث الشعبي جزْءٌ مهمٌّ من التراث الثقافي، ويتجلى في مختلف صنوف وفنون الثقافة الشعبية ولاسيّما في فنون الأدب الشعبي من شعر ونثر وأغاني، وفي الحكايات الأسطورية، كما في القصص والملاحم الشعبية، الأمثال وفي العادات والتقاليد والطقوس الشعبية، وغالبا ما يطلق على الموروث الشعبي تسميات متعددة مثل الثقافة الشعبية، أو التراث الشعبي، أو الفولكلور، وهو يمثل نسقا متكاملا من الرموز وأشكال التعبير الفني والجمالي، وهذا يشمل المعتقدات، والتصوّرات، والقيم، والمعايير، والتقنيات المتوارثة، والأعراف، والتقاليد، والأنماط السلوكية التي تتوارثها الأجيال كابرا عن كابر، ويستمرّ وجودها في المجتمع بحكم تكيّفها مع الأوضاع الجديدة وقدرتها على تلبية احتياجات المجتمع ومتطلباته. ويشتمل التراث الشعبي أيضًا على الفنون والحرف وأنواع الرقص، واللعب، واللهو، والأغاني أو الحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية.
ويعتبر مفهوم الموروث الشعبي أو التراث الشعبي مفهوم يتسم بالعمق والشمول في دلالته الثقافية والإنسانية لأنه يرمز إلى كينونة ثقافية معقدة في بنيتها وتكويناتها الإنسانية، إنه وعاء الموروث الحضاري الذي يتجلى في أنماط سلوكية وفكرية فرضت حضورها ووظيفتها واستمرت مع صيرورة التاريخ دون أن تنقطع، ومع صيرورة جغرافية دون أن تتوقف في مكان أو أن تجمد في بيئة محددة حيث وجدت حضورها الروحي في ضمير الإنسان المعاصر ووجدانه دون أن تفقد جمالها وتألقها الفني والثقافي، لا بل كانت وما زالت تزداد مع الزمن جمالا ومع صيرورة المكان سحرا.وهو قديم قدم الإنسان، وقد يكون مكتوبا أو شفويا، ومع ذلك ليس من الضروري أن يكون التراث الشعبي مدونًا، لأنه غالبا يتم تناقله شفويا عبر الأجيال والمراحل التاريخية. والبرهان على ذلك أن كثيرا من الشعوب التي لا تمتلك لغة مكتوبة، ولكن لديها الأغاني الشعبية والأساطير والعادات والتقاليد والأعراف والقيم والفولكلور وهي أنماط ثقافية تعتمد المشافهة وتنتقل عبر المحاكاة والتقليد.
فالتراث الثقافي للمجتمعات الإنسانية أشبه ما يكون باللاشعور الجمعي إنه مخزون ثقافي يتميز بالثراء والعمق، حيث ينطوي على الخبرة الإنسانية للمجتمع الناجمة عن تراكم تاريخي طويل، وهذا يشمل المعتقدات والأساطير والقيم. فاللاشعور الجمعي كما يراه «كارل جوستاف يونغ» "يمثل مخزونا هائلا من الخبرات والتصورات الإنسانية الموروثة والمستنبطة في كل فرد منا".
ويمكن التمييز بين وظيفتين أساسيتين للتراث الشعبي:
*الوظيفة الظاهرة: تتحدد بتحقيق الاستجمام والمتعة واللهو والتسلية كما في النكتة والطرفة والقصة والملاحم الشعبية.
*الوظيفة الكامنة: هي وظيفة معرفية نقدية تعمل على وضع الواقع في دائرة الوعي والنقد كما هو الحال في النكات السياسية والقصص الساخرة، وهذا ما يمكن أن نجده في كتاب كليلة ودمنة حيث يأخذ الشكل الظاهر صورة قصة للتسلية تدور على ألسنة الحيوانات، بينما يكمن جوهر هذه القصة في مهاجمة الأنظمة السياسية القائمة على نحو رمزي وعلى ألسنة الحيوانات.
التراث الشعبي إذا تعبير صادق وعميق عن روح الشعب والمجتمع، لأنه يصدر تلقائيا ويتم توارثه تلقائيا بين الأجيال، وهذا التراث يتجدد ويتغير ويكتسب تألقا وبريقا مع مرور الزمن وتقلب الأيام، فهو يجدد نفسه أثناء رحلته في الزمان و المكان، وهو في الوقت ذاته يتكيف مع الواقع المتجدد ويحتويه ويتجدد معه في تقديم صور أكثر جدة وجمالا في مسار تطوره الإنساني وله أهمية خاصة في حياة الشعوب و الأمم التي لها تاريخ مجيد ، وعطاء حضاري خصب ، وهو الذي يحافظ على هوية الأمة ويحفظ أصالتها ويفصح عن عبقريته إن أي شعب يعتز بتراثه وحضارته التي توارثها عن أجداده جيلا بعد جيل وبخاصة إن الاهتمام بالتراث الشعبي أصبح ضرورة ملحة بسبب ما يتعرض له هذا التراث في زمن الاحتلال من محاولات لطمس الهوية العربية وتذويب معالم مقومات التراث و الشخصية الإسلامية العربية.